7 - { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } انتصب صراط على أنه بدل من الأول وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ويجوز أن يكون عطف بيان وفائدته الإيضاح والذين أنعم الله عليهم هم المذكرون في سورة النساء حيث قال : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما } وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام وغير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهم على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان والسلامة من ذلك وصح جعله صفة للمعرفة مع كون غير لا تتعرف بالإضافة إلى المعارف لما فيها من الإبهام لأنها هنا غير مبهمة لاشتهار المغايرة بين الجنسين والغضب في اللغة قال القرطبي : الشدة ورجل غضوب : أي شديد الخلق والغضوب : الحية الخبيثة لشدتها قال : ومعنى الغضب في صفة الله : إرادة العقوبة فهو صفة ذاته أو نفس العقوبة ومنه الحديث : [ إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ] فهو صفة فعله قال في الكشاف : هو إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده والفرق بين عليهم الأولى وعليهم الثانية أن الأولى في محل نصب على المفعولية والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل ولا في قوله { ولا الضالين } تأكيد للنفي المفهوم من غير والضلال في لسان العرب قال القرطبي : هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ومنه ضل اللبن في الماء : أي غاب ومنه { أإذا ضللنا في الأرض } أي غبنا بالموت وصرنا ترابا وأخرج وكيع وأبو سعيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ - صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الصالحين - وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد أن عبد الله بن الزبير قرأ كذلك وأخرج الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ عليهمي بكسر الهاء والميم وإثبات الياء وأخرج ابن الأنباري عن الأعوج أنه كان يقرأ عليهمو بضم الهاء والميم وإلحاق الواو وأخرج أيضا عن ابن كثير أنه كان يقرأ عليهمو بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو وأخرج أيضا عن أبي إسحاق أنه قرأ عليهم بضم الهاء والميم من غير إلحاق الواو وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة والأسود أنهما كانا يقرآن كقراءة عمر السابقة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { صراط الذين أنعمت عليهم } يقول : طريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله : { صراط الذين أنعمت عليهم } قال النبيون { غير المغضوب عليهم } قال اليهود { ولا الضالين } قال النصارى وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله وأخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال : [ أخبرني من سمع رسول الله A وهو بوادي القرى على فرس له وسأله رجل من بني القين فقال : من المغضوب عليهم يا رسول الله ؟ قال اليهود قال : فمن الضالون ؟ قال النصارى ] وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : سألت رسول الله A فذكره وأخرجه وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبد الله بن شقيق قال : [ كان رسول الله A يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل ] إلى آخره ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأول وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بني القين عن ابن عم له أنه قال : [ أتيت رسول الله A ] فذكره وأخرجه سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي A قال : [ المغضوب عليهم : اليهود والضالون : النصارى ] وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله A : [ إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين النصارى ] وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال : [ مر بي رسول الله A وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال : أتقعد قعدة المغضوب عليهم ؟ ] قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم : وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها انتهى والمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وهو الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف قال ابن أبي حاتم : لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى ويشهد لهذا التفسير النبوي آيات من القرآن قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة : { بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين } وقال في المائدة : { قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل } وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله فقال : أنا من غضب الله أفر وقالت له النصارى : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال : لا أستطيعه فاستمر على فطرته وجانب عبادة الأوثان .
[ فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة ] اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواترا قد دلت على ذلك فمن ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال : [ سمعت رسول الله A قرأ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقال آمين مد بها صوته ] ولأبي داود [ رفع بها صوته ] وقد حسنه الترمذي وأخرجه أيضا النسائي وابن أبي شيبة وابن ماجه والحاكم وصححه وفي لفظ من حديثه أنه A : [ قال رب اغفر لي آمين ] أخرجه الطبراني والبيهقي وفي لفظ أنه قال : [ آمين ثلاث مرات ] أخرجه الطبراني وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال : [ لما أقرأ جبريل رسول الله A فاتحة الكتاب فبلغ ولا الضالين قال : قل آمين فقال آمين ] وأخرج ابن ماجه عن علي قال : [ سمعت رسول الله A إذا قال ولا الضالين قال : آمين ] وأخرج مسلم و أبو داود و النسا ئي و ابن ماجة عن أبي موسى قال : قال رسول الله عليه وسلم : [ إذا قرأ - يعني - الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا آمين يحبكم الله ] وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله A قال : [ إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ] وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي بسند قال السيوطي : صحيح عن عائشة أن النبي A قال : [ ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ] وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ إن اليهود قوم حسد حسدوكم على ثلاثة : إفشاء السلام وإقامة الصف وآمين ] وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال : [ ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين ] ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو وهو ضعيف وأخرج الديلمي عن أنس قال : قال رسول الله A : [ من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يبق ملك في السماء مقرب إلا استغفر له ] وأخرج أبو داود عن بلال أنه قال : [ يا رسول الله لا تسبقني بآمين ] ومعنى آمين : استجب قال القرطبي في تفسيره : معنى آمين عند أكثر أهل العلم : الله استجب لنا وضع موضع الدعاء وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن وأخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال : [ قلت يا رسول الله : ما معنى آمين ؟ قال : رب افعل ] وأخرج الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا : آمين اسم من أسماء الله وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله وقال الترمذي : معناه لا تخيب رجاءنا وفيه لغتان المد على وزن فاعيل كياسين والقصر على وزن يمين قال الشاعر في المد : .
( يا رب لا تسلبني حبها أبدا ... ويرحم الله عبدا قال آمينا ) .
وقال آخر : .
( آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أبلغها ألفين آمينا ) .
قال الجوهري : وتشديد الميم خطأ وروي عن الحسن وجعفر الصادق والحسين بن فضل التشديد من أم إذا قصد : أي نحن قاصدون نحوك حكى ذلك القرطبي قال الجوهري : وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف لاجتماع الساكنين وتقول منه : أمن فلان تأمينا وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها وفي أن الإمام يقولها أم لا ؟ وذلك مبين في مواطنه