سورة الأنعام .
قال الثعلبي : سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة وهي { وما قدروا الله حق قدره } إلى آخر ثلاث آيات و { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر ثلاث آيات قال ابن عطية : وهي الآيات المحكمات يعني في هذه السورة وقال القرطبي : هي مكية إلا آيتين هما { وما قدروا الله حق قدره } نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين وقوله تعالى : { وهو الذي أنشأ جنات معروشات } نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة الأنعام بمكة وأخرج أبو عبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه قال : أنزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة وأخرج ابن مردويه عن أسماء قال : نزلت سورة الأنعام على النبي A وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد نظموا ما بين السماء والأرض وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله A : [ نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد ] وهو من طريق إبراهيم بن نائلة شيخ الطبراني عن إسماعيل بن عمرو عن يوسف بن عطية بن عون عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله A فذكره وابن مردويه رواه عن الطبراني عن إسماعيل المذكور به وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله A : [ نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتقديس والأرض ترتج ورسول الله A يقول : سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم ] وأخرج الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم والإسماعيلي في معجمه والبيهقي عن جابر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله A ثم قال : [ لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق ] وأخرج البيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال : أنزل القرآن خمسا خمسا ومن حفظه خمسا خمسا لم ينسه إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة يشيعها من كل سماء سبعون ملكا حتى أدوها إلى النبي A ما قرئت على عليل إلا شفاه الله وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب مرفوعا نحو حديث ابن عمر وأخرج النحاس في تاريخه عن ابن عباس قال : سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة { قل تعالوا أتل ما حرم } إلى تمام الآيات الثلاث وأخرج الديلمي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا [ ينادي مناد : يا قارئ سورة الأنعام هلم إلى الجنة بحبك إياها وتلاوتها ] وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة قال : نزلت سورة الأنعام جميعها معها سبعون ألف ملك كلها مكية إلا { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } فإنها مدنية وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي في مسنده ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال : الأنعام من نواجب القرآن وأخرج محمد بن نصر عن ابن مسعود مثله وأخرج السلفي بسند واه عن ابن عباس مرفوعا : [ من قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى { ويعلم ما تكسبون } نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم ونزل إليه ملك من فوق سبع سموات ومعه مرزبة من حديد فإن أوحى الشيطان في قلبه شيئا من الشر ضربه ضربة حتى يكون بينه وبينه سبعون حجابا فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : أنا ربك وأنت عبدي امش في ظلي واشرب من الكوثر واغتسل من السلسبيل وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب ] وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله A : [ من صلى الفجر في جماعة وقعد في مصلاه وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكل الله به سبعين ملكا يسبحون الله ويستغفرون له إلى يوم القيامة ] وفي فضائل هذه السورة روايات عن جماعة من التابعين مرفوعة وغير مرفوعة قال القرطبي : قال العلماء : هذه السورة أصل في محجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة وعليها بنى المتكلمون أصول الدين .
بدأ سبحانه هذه السورة بالحمد لله للدلالة على أن الحمد كله له ولإقامة الحجة على الذين هم بربهم يعدلون وقد تقدم في سورة الفاتحة ما يغني عن الإعادة له هنا ثم وصف نفسه بأنه الذي خلق السموات والأرض إخبارا عن قدرته الكاملة الموجبة لاستحقاقه لجميع المحامد فإن من اخترع ذلك وأوجده هو الحقيق بإفراده بالثناء وتخصيصه بالحمد والخلق يكون بمعنى الاختراع وبمعنى التقدير وقد تقدم تحقيق ذلك وجمع السموات لتعدد طباقها وقدمها على الأرض لتقدمها في الوجود { والأرض بعد ذلك دحاها } قوله : 1 - { وجعل الظلمات والنور } معطوف على خلق ذكر سبحانه خلق الجواهر بقوله : { خلق السموات والأرض } ثم ذكر خلق الأعراض بقوله : { وجعل الظلمات والنور } لأن الجواهر لا تستغني عن الأعراض .
واختلف أهل العلم في المعنى المراد بالظلمات والنور فقال جمهور المفسرين : المراد بالظلمات سواد الليل وبالنور ضياء النهار وقال الحسن : الكفر والإيمان قال ابن عطية : وهذا خروج عن الظاهر انتهى والأولى أن يقال : إن الظلمات تشمل كل ما يطلق عليه اسم الظلمة والنور يشمل كل ما يطلق عليه اسم النور فيدخل تحت ذلك ظلمة الكفر ونور الإيمان { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات } وأفرد النور لأنه جنس يشمل جميع أنواعه وجمع الظلمات لكثرة أسبابها وتعدد أنواعها قال النحاس : جعل هنا بمعنى خلق : وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إلا إلى مفعول واحد وقال القرطبي : جعل هنا بمعنى خلق لا يجوز غيره قال ابن عطية : وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق فيكون الجمع معطوفا على الجمع والمفرد معطوفا على المفرد وتقديم الظلمات على النور لأنها الأصل ولهذا كان النهار مسلوخا من الليل قوله : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } معطوف على الحمد لله أو على خلق السموات والأرض وثم لاستبعاد ما صنعه الكفار من كونهم بربهم يعدلون مع ما تبين من أن الله سبحانه حقيق بالحمد على خلقه السموات والأرض والظلمات والنور فإن هذا يقتضي الإيمان به وصرف الثناء الحسن إليه لا الكفر به واتخاذ شريك له وتقديم المفعول للاهتمام ورعاية الفواصل وحذف المفعول لظهوره : أي يعدلون به ما لا يقدر على شيء مما يقدر عليه وهذا نهاية الحمق وغاية الرقاعة حيث يكون منه سبحانه تلك النعم ويكون من الكفرة الكفر