قوله 46 - { من الذين هادوا } قال الزجاج : إن جعلت متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله { نصيرا } وإن جعلت منقطعة فيجوز لوقف على { نصيرا } والتقدير : من الذين هادوا قوم يحرفون ثم حذف وهذا مذهب سيبويه ومثله قول الشاعر : .
( لو قلت ما في قومها لم أيثم ... يفضلها في حسب وميسم ) .
قالوا : المعنى : لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ثم حذف وقال الفراء : المحذوف لفظ من : أي من الذين هادوا من يحرفون الكلم كقوله { وما منا إلا له مقام معلوم } أي من له ومنه قول ذي الرمة : .
( فظلوا ومنهم دمعه سابق له ) .
أي من دمعه وأنكره المبرد والزجاج لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة وقيل : إن قوله { من الذين هادوا } بيان لقوله { الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } والتحريف : الإمالة والإزالة : أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه ويجعلون مكانه غيره أو المراد أنهم يتأولونه على غير تاويله وذمهم الله D بذلك لأنهم يفعلونه عنادا وبغيا وتأثيرا لغرض الدنيا قوله { ويقولون سمعنا وعصينا } أي : سمعنا قولك وعصينا أمرك { واسمع غير مسمع } أي : اسمع حال كونك غير مسمع وهو يحتمل أن يكون دعاء على النبي A والمعنى : اسمع لا سمعت ويحتمل أن يكون المعنى : اسمع غير مسمع مكروها أو اسمع غير مسمع جوابا وقد تقدم الكلام في راعنا ومعنى { ليا بألسنتهم } أنهم يلوونها عن الحق : أي يميلونها إلى ما في قلوبهم وأصل اللي : الفتل وهو منتصب على المصدر ويجوز أن يكون مفعولا لأجله قوله { وطعنا في الدين } معطوف على ليا : أي يطعنون في الدين بقولهم : لو كان نبيا لعلم أنا نسبه فأطلع الله سبحانه نبيه A على ذلك { ولو أنهم قالوا سمعنا } قولك { وأطعنا } أمرك { واسمع } ما نقول { وانظرنا } أي : لو قالوا هذا مكان قولهم راعنا { لكان خيرا لهم } مما قالوه { وأقوم } أي أعدل وأولى من قولهم الأول وهو قولهم { سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا } لما في هذا من المخالفة وسوء الأدب واحتمال الذم في راعنا { ولكن } لم يسلكوا المسلك الحسن ويأتوا بما هو خير لهم وأقوم ولهذا { لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } أي : إلا إيمانا قليلا وهو الإيمان ببعض الكتب دون بعض وببعض الرسل دون بعض