والأمر بين في اللغظ وأجماع أهل العلم لأن قوله : 2 - { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة انتهى ولم يأت من خالف الجمهور وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلا بمجرد استبعاد فقال : لأنه لو انشق في زمن النبوة لم يبق أحد إلا رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلا ولا شرعا ولا عادة ومع هذا فقد نقل إلينا بطريق التواتر وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد ويضرب به في وجه قائله .
والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله فقد أخبرنا بأنه انشق ولم يخبرنا بأنه سينشق وإن نظرنا إلى سنة رسول الله A فقد ثبت في الصحيح وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوة وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم فقد اتفقوا على هذا ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ واستبعاد من استبعد وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } قال الواحدي : قال المفسرون : لما انشق القمر قال المشركون سحرنا محمد فقال الله : { وإن يروا آية } يعني انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها ويقولوا سحر قوي شديد يعلوا كل سحر من قولهم استمر الشيء إذا قوي واستحكم وقد قال بأن معنى مستمر : قوي شديد جماعة من أهل العلم قال الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله وبه قال أبو العالية والضحاك واختاره النحاس ومنه قول لقيط : .
( حتى استمر على شر لا يزنه ... صدق العزيمة لا رثا ولا ضرعا ) .
وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة : { سحر مستمر } أي ذاهب من قولهم مر الشيء واستمر إذا ذهب وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما واختاره النحاس وقيل معنى مستمر : دائم مطرد ومنه قول الشاعر : .
( ألا إنما الدنيا ليال وأعصر ... وليس على شيء قديم بمستمر ) .
أي بدائم باق وقيل مستمر باطل روي هذا عن أبي عبيدة أيضا وقيل يشبه بعضه بعضا وقيل قد مر من الأرض إلى السماء وقيل هو من المرارة : يقال مر الشيء صار مرا : أي مستبشع عندهم وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان كما قررنا سابقا