قوله { إنما ذلكم } أي : المثبط لكم أيها المؤمنون { الشيطان } هو خير اسم الإشارة ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة والخبر قوله { يخوف أولياءه } فعلى الأول يكون قوله { يخوف أولياءه } جملة مستأنفة أو حالية والظاهر أن المراد هنا الشيطان نفسه باعتبار ما يصدر منه من الوسوسة المقتضية للتثبيط وقيل : المراد نعيم بن مسعود لما قال لهم تلك المقالة وقيل أبو سفيان لما صدر منه الوعيد لهم والمعنى : أن الشيطان يخوف المؤمنين أولياءه وهم الكافرون وقيل إن قوله { أولياءه } منصوب بنزع الخافض أي يخوفكم بأوليائه أو من أوليائه قاله الفراء والزجاج وأبو علي الفارسي ورده ابن الأنباري بأن التخويف قد يتعدى بنفسه إلى مفعولين قلا ضرورة إلى إضمار حرف الجر وعلى قول الفراء ومن معه يكون مفعول يخوف محذوفا : أي يخوفكم وعلى الأول يكون المفعول الأول محذوفا والثاني مذكورا ويجوز أن يكون المراد أن الشيطان يخوف أولياءه وهم القاعدون من المنافقين فلا حذف قوله { فلا تخافوهم } أي أولياءه الذين يخوفكم بهم الشيطان أو فلا تخافوا الناس المذكورين في قوله { إن الناس قد جمعوا لكم } نهاهم سبحانه عن أن يخافوهم فيجبنوا عن اللقاء ويفشلوا عن الخروج وأمرهم بأن يخافوه سبحانه فقال { وخافون } فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه لأني الحقيق بالخوف مني والمراقبة لأمري ونهيي لكون الخير والشر بيدي وقيده بقوله { إن كنتم مؤمنين } لأن الإيمان يقتضي ذلك .
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله } في حمزة وأصحابه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي الضحى أنها نزلت في قتل أحد وحمزة منهم وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله A : [ لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا ] وفي لفظ [ قالوا ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هؤلاء الآيات { ولا تحسبن الذين قتلوا } الآية وما بعدها ] وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله : أن أباه سأل الله سبحانه أن يبلغ من وراء ما هو فيه فنزلت هذه الآية وهو من قتلى أحد وقد روي من وجوه كثيرة أن سبب نزول الآية قتل أحد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أنس : أن سبب نزول هذه الآية قتلى بئر معونة وعلى كل حال فالآية باعتبار عموم لفظها يدخل تحتها كل شهيد وقد ثبت في أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر وثبت في فضل الشهداء ما يطول تعداده ويكثر إيراده مما هو معروف في كتب الحديث وأخرج النسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله A بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة شك سفيان فقال المشركون : يرجع من قابل فرجع رسول الله A فكانت تعد غزوة فأنزل الله سبحانه { الذين استجابوا لله والرسول } الآية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في قوله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول } الآية أنها قالت لعروة بن الزبير : يا بن أختي كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر لما أصاب نبي الله A ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال : من يرجع في أثرهم ؟ فانتدب منهم سبعون فيهم أبو بكر والزبير وأخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : خرج رسول الله A بحمراء الأسد وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله A وأصحابه وقالوا : رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فبلغه أن النبي A خرج في أصحابه يطلبهم فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان بلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الرجعة على أصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان بلغو محمدا أنا قد أجمعنا الرجعة على أصحابه لنستأصلهم فلما مر الركب برسول الله A بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال رسول الله A والمسلمون معه : حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله في ذلك { الذين استجابوا لله والرسول } الآيات وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال : إن رسول الله A استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا : إنا قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل يرجون أن يواقعوكم والروايات في هذا الباب كثيرة قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : القرح الجراحات وأخرج ابن جرير عن السدي أن أبا سفيان وأصحابه لقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا على أن يخبر النبي A وأصحابه أنهم قد جمعوا لهم فأخبر النبي A بذلك فقال هو والصحابة : حسبنا الله ونعم الوكيل ثم رجعوا من حمراء الأسد فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي { الذين قال لهم الناس } الآية وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع أن هذا الأعرابي من خزاعة .
وقد ورد في فضل هذه الكلمة أعني { حسبنا الله ونعم الوكيل } أحاديث منها ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ] قال ابن كثير بعد إخراجه : هذا حديث غريب من هذا الوجه وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال : قال النبي A : [ حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف ] وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة [ أن النبي A كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال حسبي الله ونعم الوكيل ] وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا { إن الناس قد جمعوا لكم } وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عوف بن مالك أنه حدثهم [ أن النبي A قضى بين رجلين فقال المقضى عليه لما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله A : ردوا علي الرجل فقال : ما قلت ؟ قال : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله A : إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل ] وأخرج أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله A : [ كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ ؟ ثم أمر الصحابة أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ] وهو حديث جيد وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } قال : النعمة أنهم سلموا والفضل أن عيرا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله A فريح مالا فقسمه بين أصحابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر وأخرج ابن جرير عن السدي قال : أما النعمة فهي العافية وأما الفضل فالتجارة والسوء : القتل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { لم يمسسهم سوء } قال : لم يؤذهم أحد { واتبعوا رضوان الله } قال : أطاعوا الله ورسوله وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } قال : يقول الشيطان يخوف أوليائه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : يعظم أولياءه في أعينكم وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثل قول ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن : إنما كان ذلك تخويف الشيطان ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان