ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف فقال : 35 - { فلا تهنوا } أي تضعفوا عن القتال والوهن الضعف { وتدعوا إلى السلم } أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم فإن ذلك لا يكون إلا عند الضعف قال الزجاج : منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وتدعوا بتشديد الدال من ادعى القوم وتداعوا قال قتادة : معنى الآية : لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها .
واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فقيل إنها محكمة وإنها ناسخة لقوله : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } وقيل منسوخة بهذه الآية ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداء ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون فالآيتان محكمتان ولم يتواردوا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص وجملة { وأنتم الأعلون } في محل نصب على الحال أو مستأنفة مقررة لما قبلها من النهي : أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة قال الكلبي : أي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات وكذا جملة قوله : { والله معكم } في محل نصب على الحال : أي معكم بالنصر والمعونة عليهم { ولن يتركم أعمالكم } أي لن ينقصكم شيئا من [ ثواب ] أعمالكم يقال وتره وترا : إذا نقصه حقه وأصله من وترت الرجل : إذا قتلت له قريبا أو نهبت له مالا ويقال فلان مأتور : إذا قتل له قتيل ولم يؤخذ بدمه قال الجوهري : أي لن ينقصكم في أعمالكم كما تقول دخلت البيت وأنت تريد في البيت قال الفراء : هو مشتق من الوتر وهو الدخل وقيل مشتق من الوتر وهو الفرد فكأن المعنى : لون يفردكم بغير ثواب