قوله 129 - { ولله ما في السموات وما في الأرض } كلام مستأنف لبيان سعة ملكه { يغفر لمن يشاء } أن يغفر له { ويعذب من يشاء } أن يعذبه يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } وفي قوله { والله غفور رحيم } إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة والرحمة على وجه المبالغة وما أوقع هذا التذليل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين باسرار التنزيل .
وقد أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان والحصين بن عبد الرحمن بن أسعد بن معاذ قالوا : كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك ومعاتبة من عاتب منهم يقول الله لنبيه { وإذ غدوت من أهلك } الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { وإذ غدوت من أهلك } الآية قال : يوم أحد وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { تبوء المؤمنين } قال : توطن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن الآية في يوم الأحزاب وقد ورد في كتب السير والتاريخ كيفية الاختلاف في المشورة على النبي A في يوم أحد فمن قائل نخرج إليهم ومن قائل نبقى في المدينة فخرج وكان من جملة المشيرين عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين كان رأيه البقاء في المدينة والمقاتلة فيها ثم لما خولف في رأيه انخزل بمن معه من المنافقين وهم قدر الثلث من القوم الذين خرج بهم النبي A وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال : فينا نزلت في بني حارثة وبني سلمة { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } وما يسرني أنها لم تنزل { والله وليهما } وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : { إذ همت طائفتان } قال : ذلك يوم أحد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم بنو حارثة وبنو سلمة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ولقد نصركم الله ببدر } إلى { ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } في قصة بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وأنتم أذلة } يقول : وأنتم قليل وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي : أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف } إلى قوله { مسومين } قال : فبلغت كرزا فلم يمد المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة وأخرج ابن جرير عن الشعبي لما كان يوم بدر بلغ رسول الله A ثم ذكر نحوه إلا أنه قال { ويأتوكم من فورهم هذا } يعني : كرزا وأصحابه { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فبلغ كرزا وأصحابه الهزيمة فلم يمدهم ولم ينزل الخمسة وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : أمدوا بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف وذلك يوم بدر وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { بلى إن تصبروا وتتقوا } الآية قال : هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد ولو أمدوا لم ينهزموا يومئذ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ويأتوكم من فورهم هذا } يقول : من سفرهم هذا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة من فورهم قال : من وجههم وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة السدي مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد من فورهم قال : من غضبهم وأخرجا عن أبي صالح مولى أم هانئ مثله وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله A في قوله { مسومين } قال : معلمين وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم أحد عمائم حمراء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير : أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر وأخرج ابن إسحاق والطبراني عن ابن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمراء ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون وفي بيان التسويم عن السلف اختلاف كثير لا يتعلق به كثير فائدة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ليقطع طرفا من الذين كفروا } قال قطع الله يوم بدر طرفا من الكفار وقتل صناديدهم ورؤوسهم وقادتهم في الشر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله { ليقطع طرفا } قال : هذا يوم بدر قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة وأخرج ابن جرير عن السدي قال : ذكر الله قتلى المشركين بأحد وكانوا ثمانية عشر رجلا فقال { ليقطع طرفا من الذين كفروا } ثم ذكر الله الشهداء فقال { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { أو يكبتهم } قال : يحزنهم وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس : أن النبي A كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه حتى سال الدم فقال : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل الله { ليس لك من الأمر شيء } الآية وقد روي هذا المعنى في روايات كثيرة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله A يوم أحد : [ اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت هذه الآية { ليس لك من الأمر شيء } ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضا من حديث أبي هريرة : [ أن رسول الله A كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع : اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل الله { ليس لك من الأمر شيء } ] وفي لفظ : [ اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله { ليس لك من الأمر شيء } الآية ]