قوله 113 - { ليسوا سواء } أي : أهل الكتاب غير مستوين بل مختلفين والجملة مستأنفة سبقت لبيان التفاوت بين أهل الكتاب وقوله { أمة قائمة } هو استئناف أيضا يتضمن بيان الجهة التي تفاوتوا فيها من كون بعضهم أمة قائمة إلى قوله { من الصالحين } قال الأخفش : التقدير من أهل الكتاب ذو أمة أي : ذو طريقة حسنة وأنشد : .
( وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع ) .
وقيل : في الكلام حذف والتقدير : من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة فترك الأخرى اكتفاء بالأولى كقول أبي ذؤيب .
( عصيت إليها القلب إني لأمرها ... مطيع فما أدري أرشد طلابها ؟ ) .
أراد أرشد أم غي قال الفراء : أمة رفع بسواء والتقدير : ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة قال النحاس : وهذا القول خطأ من جهات : أحدها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرة فليس لإضمار هذا وجه وقال أبو عبيدة : هذا مثل قولهم : أكلوني البارغيث وذهبوا أصحابك قال النحاس : وهذا غلط لأنه قد تقدم ذكرهم وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر النهي .
وعندي أن ما قاله الفراء قوي قويم وحاصله أن معنى الآية : لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس فإن تقدم ذكر الكافرة لا يفيد مفاد تقدير ذكرها هنا وأما قوله إنه لا يعود على اسم ليس شيء فيرده أن تقدير العائد شائع مشتهر عند أهل الفن وأما قوله : ويرفع بما ليس جاريا على الفعل فغير مسلم والقائمة : المستقيمة العادلة من قولهم : أقمت العود فقام : أي استقام وقوله { يتلون } في محل رفع على أنه صفة ثانية الأمة ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال { آناء الليل } ساعاته وهو منصوب على الظرفية وقوله { وهم يسجدون } ظاهره أن التلاوة كائنة منهم في حال السجود ولا يصح ذلك إذا كان المراد بهذه الأمة الموصوفة في الآية هم من قد أسلم من أهل الكتاب لأنه قد صح عن النبي A النهي عن قراءة القرآن في السجود فلا بد من تأويل هذا الظاهر بأن المراد بقوله { وهم يسجدون } وهم يصلون كما قاله الفراء والزجاج وإنما عبر بالسجود عن مجموع الصلاة لما فيه من الخضوع والتذلل وظاهر هذا أنهم يتلون آيات الله في صلاتهم من غير تخصيص لتلك الصلاة بصلاة معينة وقيل : المراد بها الصلاة بين العشاءين وقيل : صلاة الليل مطلقا