ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعا آخر مما امتن به على عباده من النعم فقال : 41 - { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } أي دلالة وعلامة وقيل معنى آية هنا العبرة وقيل النعمة وقيل النذارة .
وقد اختلف في معنى { أنا حملنا ذريتهم } وإلى من يرجع الضمير لأن الضمير الأول وهو قوله : { وآية لهم } لأهل مكة أو لكفار العرب أو للكفار على الإطلاق الكائنين في عصر محمد A فقيل الضمير يرجع إلى القرون الماضية والمعنى : أن الله حمل ذرية القرون الماضية في الفلك المشحون فالضميران مختلفان وهذا حكاه النحاس عن علي بن سليمان الأخفش وقيل الضميران لكفار مكة ونحوهم والمعنى : أن الله حمل ذرياتهم من أولادهم وضعفائهم على الفلك فامتن الله عليهم بذلك : أي إنهم يحملونهم معهم في السفن إذا سافروا أو يبعثون أولادهم للتجارة لهم فيها وقل الذرية الآباء والأجداد والفلك هو سفينة نوح : أي إن الله حمل آباء هؤلاء وأجدادهم في سفينة نوح قال الواحدي : والذرية تقع على الآباء كما تقع على الأولاد قال أبو عثمان : وسمي الآباء ذرية لأن منهم ذرء الأبناء وقيل الذرية النطف الكائنة في بطون النساء وشبه البطون بالفلك المشحون والراجح القول الثاني ثم الأول ثم الثالث وأما الرابع ففي غاية البعد والنكارة وقد تقدم الكالم في الذرية واشتقاقها في سورة البقرة مستوفى والمشحون المملوء الموقر والفلك يطلق على الواحد والجمع كما تقدم في يونس وارتفاع آية على أنها خبر مقدم والمبتدأ أنا حملنا أو العكس على ما قدمنا وقيل إن الضمير في قوله : { وآية لهم } يرجع إلى العباد المذكروين في قوله : { يا حسرة على العباد } لأنه قال بعد ذلك { وآية لهم الأرض الميتة } وقال : { وآية لهم الليل } ثم قال : { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم } فكأنه قال : وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد ولا يلزم أن يكون المراد بأحد الضميرين البعض منهم وبالضمير الآخر البعض الآخر وهذا قول حسن