21 - { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } لما فرغ سبحانه من ذكر المؤمنين والكافرين والمنافقين أقبل عليهم بالخطاب التفاتا للنكتة السابقة في الفاتحة ويا حرف نداء والمنادى أي وهو اسم مفرد مبني على الضم وها حرف تنبيه مقحم بين المنادى وصفته قال سيبويه : كأنك كررت يا مرتين وصار الاسم بينهما كما قالوا : ها هوذا وقد تقدم الكلام في تفسير الناس والعبادة وإنما خص نعمة الخلق وامتعن بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها وأيضا فالكفار مقرون بأن الله هو الخالق { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } فامتن عليهم بما يعترفون به ولا ينكرونه وفي أصل معنى الخلق وجهان : أحدهما التقدير يقال : خلقت الأديم للسقاء : إذا قدرته قبل القطع قال زهير : .
( ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ض القوم يخلق ثم لا يفري ) .
الثاني : الإنشاء والاختراع والإبداع ولعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشفاق وذلك مستحيل على الله سبحانه ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كان بمنزلة قوله لهم : افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه وقيل : إن العرب استعملت لعل مجردة من الشك بمعنى لام كي والمعنى هنا : لتتقوا : وكذلك ما وقع هذا الموقع ومنه قول الشاعر : .
( وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ... نكف ووثقتم لنا كل موثق ) .
( فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ... كشبه سراب في الملا متألق ) .
أي كفوا عن الحرب لنكف ولو كانت لعل للشك لم يوثقوا لهم كل موثق وبهذا قال جماعة منهم قطرب وقيل : إنها بمعنى التعرض للشيء كأنه قال : متعرضين للتقوى وجعل هنا بمعنى صير لتعديه إلى المفعولين ومنه قول الشاعر : .
( وقد جعلت أرى الإثنين أربعة ... والأربع اثنين لما هدني الكبر )