57 - { لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض } قرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة { لا يحسبن } بالتحية بمعنى : لا تحسبن الذين كفروا وقرأ الباقون بالفوقية : أي لا تحسبن يا محمد والموصول المفعول الأول ومعجزين الثاني لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين قاله الزجاج والفراء وأبو علي وأما على القراءة الأولى فيكون المفعول الأول محذوفا : أي لا يحسبن الذي كفروا أنفسهم قال النحاس : وما علمت أحدا بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة ومعجزين معناه : فائتين وقد تقدم تفسيره وتفسير ما بعده .
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ويقولون آمنا بالله وبالرسول } الآية قال : أناس من المنافقين وأظهروا الإيمان والطاعة وهم في ذلك يصدون عن سبيل الله وطاعته وجهاد مع رسوله A وأخرجوا أيضا عن الحسن قال : إن الرجل كان يكون بينه وبين الرجل خصومة أو منازعة على عهد رسول الله A فإذا دعي إلى النبي A وهو محق أذعن وعلم أن النبي A سيقضي له بالحق وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي A أعرض وقال : أنطلق إلى فلان فأنزل سبحانه : { وإذا دعوا إلى الله ورسوله } إلى قوله : { هم الظالمون } فقال رسول الله A : [ من كان بينه وبين أخيه شيء فدعاه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم لا حق له ] قال ابن كثير بعد أن ساق هذا المتن ما لفظه : وهذا حديث غريب وهو مرسل وقال ابن العربي : هذا حديث باطل فأما قوله : فهو ظالم فكلام صحيح وأما قوله : فلا حق له فلا يصح ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق انتهى وأقول : أما كون الحديث مرسلا فظاهر وأما دعوى كونه باطلا فمحتاجة إلى برهان فقد أخرجه ثلاثة من أئمة الحديث عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما ذكرنا ويبعد كل البعد أن يتفق عليهم ما هو باطل وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مبارك حدثنا الحسن فذكره وليس في هؤلاء كذاب ولا وضاع ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله A : [ من دعي إلى سلطان فلم يجب فهو ظالم لا حق له ] انتهى ولا يخفاك أن قضاة العدل وحكام الشرع الذين هم على الصفة التي قدمنا لك قريبا هم سلاطين الدين المترجمون عن الكتاب والسنة المبينون للناس ما نزل إليهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أتى قوم للنبي A فقالوا : يا رسول الله لو أمرتنا أن نخرج من أموالنا لخرجنا فأنزل الله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في الآية قال : ذلك شأن الجهاد قال يأمرهم أن لا يحلفوا على شيء { طاعة معروفة } قال أمرهم أن يكون منهم طاعة معروفة للنبي A من غير أن يقسموا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد { طاعة معروفة } يقول : قد عرفت طاعتهم : أي إنكم تكذبون به وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن علقمة بن وائل .
الحضرمي عن أبيه قال : [ قدم زيد بن أسلم على رسول الله A فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يأخذون منا الحق ولا يعطونا ؟ قال : فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ] وأخرج ابن جرير وابن قانع والطبراني عن علقمة بن وائل الحضرمي عن سلمة بن يزيد الجعفي قال : قلت يا رسول فذكر نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الزبير عن جابر أنه سأل : إن كان علي إمام فاجر فلقيت معه أهل ضلالة أقاتل أم لا ؟ قال : أقاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم وعلى الإمام ما حمل وعليكم ما حملتم وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء في قوله : { وعد الله الذين آمنوا منكم } الآية قال : فينا نزلت ونحن في خوف شديد وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : [ كان النبي A وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لا شريك له سرا وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة فأمرهم الله بالقتال وكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح فغبروا بذلك ما شاء الله ثم إن رجلا من أصحابه قال : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا ؟ ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح ؟ فقال رسول الله A : لن تغبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة فأنزل الله : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } إلى آخر الآية ] فأظهر الله نبيه A على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح ثم إن الله قبض نبيه فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف الذي كان رفع عنهم واتخذوا الحجر والشرط وغيروا فغير ما بهم وأخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال : لما قدم رسول الله A المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا : أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات } الآية وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { يعبدونني لا يشركون بي شيئا } قال : لا يخافون أحدا غيري وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد مثله قال : { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } العاصون وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال : كفر بهذه النعمة ليس الكفر بالله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { معجزين في الأرض } قال : سابقين في الأرض