ثم لما انجر الكلام إلى ذكر أعمال المكلفين ذكر لهما حكمين : الأول قوله : 62 - { ولا نكلف نفسا إلا وسعها } الوسع هو الطاقة وقد تقدم بيان هذا في آخر سورة البقرة وفي تفسير الوسع قولان : الأول أنه الطاقة كما فسره بذلك أهل اللغة الثاني أنه دون الطاقة وبه قال مقاتل والضحاك والكلبي والمعتزلة قالوا : لأن الوسع إنما سمي لأنه يتسع على فاعله فعله ولا يضيق عليه فمن لم يستطع الجلوس فليوم إيماء ومن لم يستطع الصوم فليفطر وهذه الجملة مستأنفة للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الكرامات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة وأن ذلك عادة الله سبحانه في تكليف عباده وجملة { ولدينا كتاب ينطق بالحق } من تمام ما قبلها من نفي التكليف بما فوق الوسع والمراد بالكتاب صحائف الأعمال : أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل واحد من المكلفين على ما هي عليه ومعنى ينطق بالحق يظهر به الحق المطابق للواقع من دون زيادة ولا نقص ومثله قوله سبحانه : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } وفي هذا تهديد للعصاة وتأنيس للمطيعين من الحيف والظلم وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ فإنه قد كتب فيه كل شيء وقيل المراد بالكتاب : القرآن والأول أولى وفي هذه الآية تشبيه للكتاب بمن يصدر عنه البيان بالنطق بلسانه فإن الكتاب يعرب عما فيه كما يعرب الناطق المحق وقوله : { بالحق } يتعلق بينطق أو بمحذوف هو حال من فاعله : أي ينطق ملتبسا بالحق وجملة { وهم لا يظلمون } مبينة لما قبلها من تفضله وعدله في جزاء عباده : لا يظلمون بنقص ثواب أو زيادة عقاب ومثله قوله سبحانه : { ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا }