ثم أنكر سبحانه على أهل مكة عدم اعتبارها بهذه الآثار قائلا 46 - { أفلم يسيروا في الأرض } حثا لهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا فلهذا أنكر عليهم كما في قوله : { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون } ومعنى { فتكون لهم قلوب يعقلون بها } أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل كما أن الآذان محل السمع وقيل إن العقل محله الدماغ ولا مانع من ذلك فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجا عنه .
وقد اختلف علماء المعقول في محل العقل وماهيته اختلافا كثيرا لا حاجة إلى التطويل بذكره { أو آذان يسمعون بها } أي ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة { فإنها لا تعمى الأبصار } قال الفراء : الهاء عماد يجوز أن يقال : فإنه وهي قراءة عبد الله بن مسعود والمعنى واحد التذكير على الخبر والتأنيث على الأبصار أو القصة : أي فإن الأبصار لا تعمي أو فإن القصة لا تعمي الأبصار : أي أبصار العيون { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } أي ليس الخلل في مشاعرهم وإنما هو في عقولهم أي لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار قال الفراء والزجاج : إن قوله التي في الصدور من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام كقوله : { عشرة كاملة } و { يقولون بأفواههم } و { يطير بجناحيه }