ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله : 35 - { الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } أي خافت وحذرت مخالفته وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوة إيمانهم ووصفهم بالصبر { على ما أصابهم } من البلايا والمحن في طاعة الله ثم وصفهم بإقامة { الصلاة } أي الإتيان بها في أوقاتها على وجه الكمال قرأ الجمهور : { والمقيمي الصلاة } بالجر على ما هو الظاهر وقرأ أبو عمرو بالنصب على توهم بقاء النون وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر : .
( الحافظ عورة العشيرة ) .
البيت بنصب عورة وقيل لم يقرأ بهذه القراءة أبو عمرو وقرأ ابن محيصن والمقيمين بإثبات النون على الأصل ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود ثم وصفهم سبحانه بقوله : { ومما رزقناهم ينفقون } أي يتصدقون به وينفقونه في وجوه البر ويضعونه في مواضع الخير ومثل هذه الآية قوله سبحانه : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } .
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { حرمات الله } قال : الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } يقول : اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان { واجتنبوا قول الزور } يعني الافتراء على الله والتكذيب به وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أيمن بن حريم قال : قام رسول الله A خطيبا فقال : [ يا أيها الناس عدلت شهادة الزور شركا بالله ثلاثا ثم قرأ { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } ] قال أحمد غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زيد وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث ولا نعرف لأيمن بن حريم سماعا من النبي A وقد أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبوداود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب من حديث حريم وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال : قال رسول الله A : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ] وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { حنفاء لله غير مشركين به } قال : حجاجا لله غير مشركين به وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين : حجوا الآن غير مشركين بالله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ومن يعظم شعائر الله } قال : البدن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ومن يعظم شعائر الله } قال : الاستسمان والاستحسان والاستعظام وفي قوله : { لكم فيها منافع إلى أجل مسمى } قال : إلى أن تسمى بدنا واخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه وفيه قال : ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى في ظهورها وألبانها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هديا فإذا سميت هديا ذهبت المنافع { ثم محلها } يقول : حين تسمى { إلى البيت العتيق } وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ولكل أمة جعلنا منسكا } قال : عيدا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : إهراق الدماء وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : ذبحا وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال : مكة لم يجعل الله لأمة منسكا غيرها وقد وردت أحاديث في الأضحية ليس هذا موضع ذكرها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { وبشر المخبتين } قال : المطمئنين وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن أوس قال : المخبتون في الآية الذين لا يظلمون الناس وإذا ظلموا لم ينتصروا