فرد الله ذلك عليهم بقوله : 15 - { الله يستهزئ بهم } أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخف بهم انتصافا منهم لعباده المؤمنين وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة مشاكلة : وقد كانت العرب إذا وضعت لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفا له في معناه وورد في ذلك في القرآن كثيرا ومنه { وجزاء سيئة سيئة مثلها } { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق ومنه { ومكروا ومكر الله } { إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا } { يخادعون الله والذين آمنوا } { يخادعون الله وهو خادعهم } { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } وهو في السنة كثير كقوله A : [ إن الله لا يمل حتى تملوا ] وإنما قال : { الله يستهزئ بهم } لأنه يفيد التجدد وقتا بعد وقت وهو أشد عليهم وأنكأ لقلوبهم وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الإسمية لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتا بعد وقت والمتجددة حينا بعد حين أشد على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمر لأنه يألفه ويوطن نفسه عليه والمد : الزيادة قال يونس بن حبيب : يقال مد في الشر وأمد في الخير ومنه { وأمددناكم بأموال وبنين } { وأمددناهم بفاكهة ولحم } وقال الأخفش : مددت له إذا تركته وأمددت : إذا أعطيته وقال الفراء واللحياني : مددت فيما كانت زيادته زيادته من مثله يقال : مد النهر ومنه { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } وأمددت فيما كانت زيادته من غيره ومنه { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة } والطغيان مجاوزة الحد والغلو في الكفر ومنه { إنا لما طغى الماء } أي تجاوز المقدار الذي قدرته الخزان وقوله في فرعون : { إنه طغى } أي أسرف في الدعوى حيث قال : { أنا ربكم الأعلى } والعمه والعامه : الحائر المتردد وذهبت إبله لعمهي : إذا لم يدر أين ذهبت والعمه في القلب كالعمى في العين قال في الكشاف : العمه مثل العمى إلا أن العمى في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة انتهى والمراد أن الله سبحانه يطيل لهم المدة ويمهلهم كما قال : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } قال ابن جرير : { في طغيانهم يعمهون } في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قط طبع على قلوبهم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا وقد أخرج الواحدي والثعلبي بسند واه لأن فيه محمد بن مروان وهو متروك عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه وذكر قصة وقعت لهم مع أبي بكر وعمر وعلي Bهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي A أو بعضهم قالوا : إنا على دينكم { وإذا خلوا إلى شياطينهم } وهم إخوانهم قالوا : { إنا معكم } على مثل ما أنتم عليه { إنما نحن مستهزئون } بأصحاب محمد { الله يستهزئ بهم } قال : يسخر بهم للنقمة منهم { ويمدهم في طغيانهم } قال : في كفرهم { يعمهون } قال : يترددون وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه بمعناه وأطول منه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه بنحو الأول وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : { وإذا خلوا إلى شياطينهم } قال : رؤسائهم في الكفر وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : { وإذا خلوا } أي مضوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحو ما قاله ابن مسعود وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : { ويمدهم } قال : يملي لهم { في طغيانهم يعمهون } قال : في كفرهم يتمادون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما قاله ابن مسعود في تفسير يعمهون وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { يمدهم } يزيدهم { في طغيانهم يعمهون } قال : يلعبون ويترددون في الضلالة وأخرج أحمد في المسند عن أبي ذر قال : قال رسول الله A : نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن فقلت : يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال : نعم