82 - { وأما الجدار } يعني الذي أصلحه { فكان لغلامين يتيمين في المدينة } هي القرية المذكورة سابقا وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة { وكان تحته كنز لهما } قيل كان مالا جسيما كما يفيده اسم الكنز إذ هو المال المجموع قال الزجاج : المعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد : فمعناه المال المدفون فإذا لم يكن مالا قيل : كنز علم وكنز فهم وقيل لوح من ذهب وقيل صحف مكتوبة { وكان أبوهما صالحا } فكان صلاحه مقتضيا لرعاية ولديه وحفظ مالهما قيل هو الذي دفنه وقيل هو الأب السابع من عند الدافن له وقيل العاشر { فأراد ربك } أي مالكك ومدبر أمرك وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفا له { أن يبلغا أشدهما } أي كمالهما وتمام نموهما { ويستخرجا كنزهما } من ذلك الموضع الذي عليه الجدار ولو انقض لخرج الكنز من تحته { رحمة من ربك } لهما وهو مصدر في موضع الحال : أي مرحومين من الله سبحانه { وما فعلته عن أمري } أي عن اجتهادي ورأيي وهو تأكيد لما قبله فقد علم بقوله فأراد ربك أنه لم يفعله الخضر عن أمر نفسه { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } أي ذلك المذكور من تلك البينات التي بينتها لك وأوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه ولم تطق السكوت عليه ومعنى التأويل هنا هو المآل الذي آلت إليه تلك الأمور وهو اتضاح ما كان مشتبها على موسى وظهور وجهه وحذف التاء من تسطع تخفيفا .
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { لقد جئت شيئا إمرا } يقول : نكرا وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { إمرا } قال : عجبا وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب في قوله : { لا تؤاخذني بما نسيت } قال : لم ينس ولكنها من معاريض الكلام وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كان الخضر عبدا لا تراه الأعين إلا من أراد الله أن يريه إياه فلم يره من القوم إلا موسى ولو رأه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام وأقول : ينبغي أن ينظر من أين له هذا ؟ فإن لم يكن مستنده إلا قوله : ولو رآه القوم إلخ فليس ذلك بموجب لما ذكره أما أولا فإن من الجائز أن يفعل ذلك من غير أن يراه أهل السفينة وأهل الغلام لا لكونه لا تراه الأعين بل لكونه فعل ذلك من غير اطلاعهم وأما ثانيا فيمكن أن أهل السفينة وأهل الغلام قد عرفوه وعرفوا أنه لا يفعل ذلك إلا بأمر من الله كما يفعل الأنبياء فسلموا لأمر الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { نفسا زكية } قال : مسلمة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لم تبلغ الخطايا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن نحوه وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { شيئا نكرا } قال : النكر أنكر من العجب وأخرج أحمد عن عطاء قال : كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان فكتب إليه إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم وزاد ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه : ولكنك لا تعلم قد نهى رسول الله A عن قتلهم فاعتزلهم وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه عن أبي بن كعب عن النبي A قال : [ الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا ولو أدرك لأرهق أبويه طغيانا وكفرا ] وأخرج أبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أن النبي A قرأ { من لدني عذرا } مثقلة وأخرج ابن مردويه عن أبي أن النبي A قرأ { أن يضيفوهما } مشددة وأخرج ابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أبي بن كعب عن رسول الله A أنه قرأ { فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض } فهدمه ثم قعد يبنيه قلت : ورواية الصحيحين التي قدمناها أنه مسحه بيده أولى وأخرج الفريابي في معجمه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي أن النبي A قرأ : { لو شئت لاتخذت عليه أجرا } مخففة وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله A : [ رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لقص الله علينا من خبره ] ولكن قال : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي A كان يقرأ : [ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ] وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب أنه قرأها كذلك وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبي الزاهرية قال : كتب عثمان { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال هي في مصحف عبد الله فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { خيرا منه زكاة } قال : دينا { وأقرب رحما } قال : مودة فأبدلا جارية ولدت نبيا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : كان الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا فلا يعجبن الرجل فيقول فما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا ؟ فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء وهي السنن والفرائض يحل لأمة ويحرم على أخرى وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي الدرداء عن النبي A في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : ذهب وفضة وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر رفعه قال : إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت فيه : عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي نحو هذا روايات كثيرة لا تتعلق بذكرها فائدة وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد والحميد في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله : { وكان أبوهما صالحا } قال : حفظا بصلاح أبيهما وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله A : [ إن الله D يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرته وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله تعالى ما دام فيهم ] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته والدويرات حوله فما يزالون في ستر من الله وعافية وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال : قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه ؟ فقال ابن عباس : قال فيما يذكر من حديث الفتى إنه شرب من الماء فخلد فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه قال ابن كثير : إسناده ضعيف الحسن متروك وأبوه غير معروف