ثم ختم هذه السورة بآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات فقال : 128 - { إن الله مع الذين اتقوا } أي اتقوا المعاصي على اختلاف أنواعها { والذين هم محسنون } بتأدية الطاعات والقيام بما أمروا بها منها وقيل المعنى : إن الله مع الذين اتقوا الزيادة في العقوبة والذين هم محسنون في أصل الانتقام فيكون الأول إشارة إلى قوله : { فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } والثاني إشارة إلى قوله { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } وقيل { الذين اتقوا } إشارة إلى التعظيم لأمر الله { والذين هم محسنون } إشارة إلى الشفقة على عباد الله تعالى .
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود : أنه سئل عن الأمة ما هي ؟ فقال : الذي يعلم الناس الخير قالوا : فما القانت ؟ قال : الذي يطيع الله ورسوله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله } قال : كان على الإسلام ولم يكن في زمانه من قومه أحد على الإسلام غيره فلذلك قال الله { كان أمة قانتا لله } وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : { كان أمة } قال : إماما في الخير { قانتا } قال : مطيعا وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله A : [ ما من عبد تشهد له أمة إلا قبل الله شهادتهم ] والأمة الرجل فما فوقه إن الله يقول : { إن إبراهيم كان أمة } والأمة الرجل فما فوقه وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمرو قال صلى جبريل بإبراهيم الظهر والعصر بعرفات ثم وقف حتى إذا غابت الشمس دفع به ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ثم صلى الفجر به كأسرع ما يصلي أحدكم من المسلمين ثم وقف به حتى إذا كان كأبطإ ما يصلي أحد من المسلمين دفع به ثم رمى الجمرة ثم ذبح ثم حلق ثم أفاض به إلى البيت فطاف به فقال الله لنبيه : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } قال : أراد الجمعة فأخذوا السبت مكانها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في الآية قال : باستحلالهم إياه رأى موسى رجلا يحمل حطبا يوم السبت فضرب عنقه : وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم : يعني الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس فيه لنا تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد ] وأخرج مسلم وغيره من حديث حذيفة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { وجادلهم بالتي هي أحسن } قال : أعرض عن أذاهم إياك وأخرج الترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة في الفوائد وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال : [ لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } فقال رسول الله A : نصبر ولا نعاقب كفوا عن القوم إلا أربعة ] وأخرج ابن سعد والبزار وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة [ أن النبي A وقف على حمزة حيث استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال : رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت وصولا للرحم فعولا للخير ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل والنبي A واقف بخواتيم سورة النحل { وإن عاقبتم } الآية فكفر النبي A عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر ] وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { وإن عاقبتم } الآية قال : هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله ثم نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم فهذا منسوخ وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } قال : اتقوا فيما حرم عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم