ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض فقال : 92 - { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } أي لا تكونوا فيما تصنعون من النقض بعد التوكيد كالتي نقضت غزلها : أي ما غزلته { من بعد قوة } أي من بعد إبراهم الغزل وإحكامه وهو متعلق بنقضت { أنكاثا } جمع نكث بكسر النون ما ينكث فتله قال الزجاج : انتصب أنكاثا على المصدر لأن معنى نقضت نكثت ورد بأن أنكاثا ليس بمصدر وإنما هو جمع كما ذكرنا وقال الواحدي : هو منصوب على أنه مفعول ثان كما تقول كسرته أقطاعا وأجزاء : أي جعلته أقطاعا وأجزاء ويحتمل أن يكون حالا قال ابن قتيبة : هذه الآية متعلقة بما قبلها والتقدير : وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأيمان فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل امرأة غزلت غزلا وأحكمته ثم جعلته أنكاثا وجملة { تتخذون أيمانكم دخلا بينكم } في محل نصب على الحال قال الجوهري : والدخل المكر والخديعة وقال أبو عبيدة : كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل وقيل الدخل ما أدخل في الشيء على فساده وقال الزجاج غشا وغلا { أن تكون أمة هي أربى من أمة } أي بأن تكون جماعة هي أربى من جماعة : أي أكثر عددا منها وأوفر مالا يقال ربا الشيء يربو إذا كثر قال الفراء : المعنى لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهم وقد عزرتموهم بالأيمان قيل وقد كانت قريش إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم وقيل هو تحذير للمؤمنين أن يغتروا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبي A { إنما يبلوكم الله به } أي يختبركم بكونكم أكثر وأوفر لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء أم تنقضون اغترارا بالكثرة ؟ فالضمير في { به } راجع إلى مضمون جملة : أن تكون أمة هي أربى من أمة : أي إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة ليعلم ما تصنعون أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم { وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون } فيوضح الحق والمحقين ويرفع درجاتهم ويبين الباطل والمبطلين فينزل بهم من العذاب ما يستحقونه وفي هذا إنذار وتحذير من مخالفة الحق والركون إلى الباطل أو يبين لكم ما كنتم تختلفون فيه من البعث والجنة والنار