ولما فرغ سبحانه من ذكر المثلين مدح نفسه بقوله : { ولله غيب السموات والأرض } أي يختص ذلك به لا يشاركه فيه غيره ولا يستقل به والمراد علم ما غاب عن العباد فيهما أو أراد بغيبهما يوم القيامة لأن علمه غائب عن العباد ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما والمعنى : التوبيخ للمشركين والتقريع لهم : أي أن العبادة إنما يستحقها من كانت هذه صفته لا من كان جاهلا عاجزا لا يضر ولا ينفع ولا يعلم بشيء من أنواع العلم { وما أمر الساعة } التي هي أعظم ما وقعت فيه المماراة من الغيوب المختصة به سبحانه { إلا كلمح البصر } اللمح النظر بسرعة ولا بد فيه من زمان تتقلب فيه الحدقة نحو المرئي وكل زمان قابل للتجزئة ولذا قال { أو هو } أي أمرهما { أقرب } وليس هذا من قبيل المبالغة بل هو كلام في غاية الصدق لأن مدة ما بين الخطاب وقيام الساعة متناهية ومنها إلى الأبد غير متناه ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي أو يقال : إن الساعة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب كلمح البصر وقال الزجاج : لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها لأنه يقول للشيء كن فيكون وقيل المعنى : هي عند الله كذلك وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة ومثله قوله سبحانه : { إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا } ولفظ أوفى { أو هو أقرب } ليس للشك بل للتمثيل وقيل دخلت لشك المخاطب وقيل هي بمنزلة بل { إن الله على كل شيء قدير } ومجيء الساعة بسرعة من جملة مقدوراته