قال القرطبي : ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث قاله أبو عمر انتهى والجنف : المجاوزة من جنف يجنف : إذا جاوز قاله النحاس وقيل الجنف : الميل ومنه قول الأعشى : .
( تجانف عن حجر اليمامة يا فتى ... وما قصدت من أهلها لسوائكا ) .
قال في الصحاح : الجنف الميل وكذا في الكشاف وقال لبيد : .
( إني امرؤ منعت أرومة عامر ... ضيمي وقد جنفت علي خصومي ) .
وقوله : 182 - { فأصلح بينهم } أي أصلح ما وقع بين الورثة من الشقاق والاضطراب بسبب الوصية بإبطال ما فيه ضرار ومخالفة لما شرعه الله وإثبات ما هو حق كالوصية في قربة لغير وارث والضمير في قوله : { بينهم } راجع إلى الورثة وإن لم يتقدم لهم ذكر لأنه قد عرف أنهم المرادون من السياق وقيل : راجع إلى الموصى لهم وهم الأبوان والقرابة .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إن ترك خيرا } قال : مالا وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن عروة أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم فقال : ألا أوصي ؟ قال : لا ؟ إنما قال الله : { إن ترك خيرا } وليس لك كثير مال فدع مالك لورثتك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن عائشة أن رجلا قال لها : أريد أن أوصي قالت : كم مالك ؟ قال : ثلاثة آلاف قالت : كم عيالك ؟ قال : أربعة قالت : قال الله : { إن ترك خيرا } وإن هذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال : إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : جعل الله الوصية حقا مما قل منه ومما كثر وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال : قال رسول الله A وذكر حديثا وفيه : [ أنظر قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف ] وأخرجا أيضا عن طاوس قال : من أوصى لقوم وسماهم وترك ذو قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن بشير عن ابن عباس قال : نسخت هذه الآية وأخرج عنه من وجه آخر أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم أن هذه الآية نسخها قوله تعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } الآية وأخرج عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم أنها منسوخة بآية الميراث وأخرج عنه أبو داود في سننه والبيهقي مثله وأخرج ابن جرير عنه أنه قال : في الآية نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر أنه قال : هذه الآية نسختها آية الميراث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فمن بدله } الآية قال : وقد وقع أجر الموصي على الله وبرئ من إثمه وقال في قوله : { جنفا } يعني إثما { فأصلح بينهم } قال : إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه لكنه فسر الجنف بالميل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { جنفا أو إثما } قال : خطأ أو عمدا وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه عنه قال : الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر