وجملة 37 - { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } مستأنفة جواب سؤال مقدر ومعنى ذلك أنه يعلم شيئا من الغيب وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام إلا أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه بل جعله عليه السلام مقدمة قبل تعبيره لرؤياهما بيانا لعلو مرتبته في العلم وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظن وتخمين فهو كقول عيسى عليه السلام { وأنبئكم بما تأكلون } وإنما قال يوسف عليه السلام لها بهذا ليحصل الانقياد منها له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر ومعنى ترزقانه : يجري عليهما من جهة الملك أو غيره والجملة صفة لطعام أو يرزقكما الله سبحانه والاستثناء بقوله : { إلا نبأتكما بتأويله } مفرغ من أعم الأحوال : أي يأتيكما وسماه تأويلا بطريق المشاكلة لأن الكلام في تأويل الرؤيا أو المعنى : إلا نبأتكما بما يؤول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع والإشارة بقوله : { ذلكما } إلى التأويل والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما { مما علمني ربي } بما أوحاه إلي وأهمني إياه لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ ثم بين لهما أن ذلك الذي ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجملة هو بسبب ترك الملة التي لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه كما يدل عليه قوله : { ما كان لنا أن نشرك بالله } ثم وصف هؤلاء القوم بما يدل على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه فقال { وهم بالآخرة هم كافرون } أي هم مختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله