6 - قوله { وكذلك يجتبيك ربك } أي مثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في النوم من سجود الكواكب والشمس والقمر يجتبيك ربك ويحقق فيك تأويل تلك الرؤيا فيجعلك نبيا ويصطفيك على سائر العباد ويسخرهم لك كما تسخرت لك تلك الأجرام التي رأيتها في منامك فصارت ساجدة لك قال النحاس : والاجتباء أصله من جبيت الشيء حصلته ومنه جبيت الماء في الحوض جمعته ومعنى الاجتباء : الاصطفاء وهذا يتضمن الثناء على يوسف وتعديد نعم الله عليه ومنها { ويعلمك من تأويل الأحاديث } أي تأويل الرؤيا قال القرطبي : وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا وقد كان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها وقيل المراد : ويعلمك من تأويل أحاديث الأمم والكتب وقيل المراد به إحواج إخوته إليه وقيل إنجاؤه من كل مكروه وقيل إنجاؤه من القتل خاصة { ويتم نعمته عليك } فيجمع لك بين النبوة والملك كما تدل عليه هذه الرؤيا التي أراك الله أو يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة { وعلى آل يعقوب } وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوة كما قاله جماعة من المفسرين ولا يبعد أن يكون إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر من النعم التي من جملتها كون الملك فيهم مع كونهم أنبياء { كما أتمها على أبويك } أي إتماما مثل إتمامها على أبويك : وهي نعمة النبوة عليهما مع كون إبراهيم اتخذه الله خليلا ومع كون اسحاق نجاه الله سبحانه من الذبح وصار لهما الذرية الطيبة : وهم يعقوب ويوسف وسائر الأسباط ومعنى { من قبل } من قبل هذا الوقت الذي أنت فيه أو من قبلك وإبراهيم وإسحاق عطف بيان لأبويك وعبر عنهما بالأبوين مع كون أحدهما جدا : وهو إبراهيم لأن الجد أب { إن ربك عليم } بكل شيء { حكيم } في كل أفعاله والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها تعليلا له : أي فعل ذلك لأنه عليم حكيم وكان هذا كلام من يعقوب مع ولده يوسف تعبيرا لرؤياه على طريق الإجمال أو علم ذلك من طريق الوحي أو عرفه بطريق الفراسة وما تقتضيه المخايل اليوسفية .
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : { تلك آيات الكتاب المبين } قال : بين الله حلاله وحرامه وأخرج ابن جرير عن معاذ قال : بين الله [ الحروف ] التي سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف وأخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله A تلا قرآنا عربيا ثم قال رسول الله A : [ ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما ] وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : نزل القرآن بلسان قريش وهو كلامهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت { نحن نقص عليك أحسن القصص } وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { نحن نقص عليك أحسن القصص } قال : من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم { وإن كنت من قبله } أي من قبل هذا القرآن { لمن الغافلين } وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك { نحن نقص عليك أحسن القصص } قال : القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { إني رأيت أحد عشر كوكبا } قال : رؤيا الأنبياء وحي وأخرج سعيد بن منصور والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي وابن حبان في الضعفاء وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : [ جاء بستاني اليهودي إلى النبي A فقال : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها ؟ فسكت النبي A فلم يجبه بشيء فنزل عليه جبريل فأخبره بأسمائها فبعث رسول الله A إلى البستاني اليهودي فقال : هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها ؟ قال نعم قال : خرثان والطارق والذيال وذوالكتفان وقابس ووثاب وعمودان والفيلق والمصبح والضروح وذو الفرغ والضياء والنور : رآها في أفق السماء ساجدة له فلما قص يوسف على يعقوب قال : هذا أمر مشتت يجمعه الله من بعد فقال اليهودي : إي والله إنها لأسماؤها ] هكذا ساقه السيوطي في الدر المنثور وأما ابن كثير فجعل قوله : فلما قص إلخ رواية منفردة وقال : تفرد بها الحكم بن ظهيرة الفزاري : وقد ضعفوه وتركه الأكثرون وقال الجوزجاني : ساقط وقال ابن الجوزي : هو موضوع وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { أحد عشر كوكبا } قال : إخوته والشمس قال : أمه والقمر قال : أبوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس { وكذلك يجتبيك ربك } قال : يصطفيك وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد { ويعلمك من تأويل الأحاديث } قال : عبارة الرؤيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد { ويعلمك من تأويل الأحاديث } قال : تأويل العلم والحلم وكان يوسف من أعبر الناس وأخرج ابن جرير عن عكرمة { كما أتمها على أبويك } قال : فنعمته على إبراهيم : أن نجاه من النار وعلى إسحاق : أن نجاه من الذبح