لما ذكر الله أصناف المنافقين وبين طرائقهم المختلفة عطف على ما سبق هذه الطائفة منهم وهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا فيكون التقدير : ومنهم الذين اتخذوا على أن الذين متبدأ وخبره منهم المحذوف والجملة معطوفة على ما تقدمها ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على الذم وقرأ المدنيون وابن عامر { الذين اتخذوا } بغير واو فتكون قصة مستقلة الموصول مبتدأ وخبره { لا تقم } قاله الكسائي وقال النحاس : إن الخبر هو { لا يزال بنيانهم الذي بنوا } وقيل الخبر محذوف والتقدير يعذبون وسيأتي بيان هؤلاء البانين لمسجد الضرار و { ضرارا } منصوب على المصدرية أو على العلية { وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا } معطوفة على { ضرارا } فقد أخبر الله سبحانه أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة : الأول : الضرار لغيرهم وهو المضاررة الثاني : الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق الثالث : التفريق بين المؤمنين لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء فتقل جماعة المسلمين وفي ذلك من اختلاف الكلمة وبطلان الألفة ما لا يخفى الرابع : الإرصاد لمن حارب الله ورسوله : أي الإعداد لأجل من حارب الله ورسوله قال الزجاج : الإرصاد الانتظار وقال ابن قتيبة : الإرصاد الانتظار مع العداوة وقال الأكثرون : هو الإعداد والمعنى متقارب يقال : أرصدت لكذا : إذا أعددته مرتقبا له به وقال أبو زيد : يقال رصدته وأرصدته في الخير وأرصدت له في الشر وقال ابن الأعرابي : لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقبت والمراد بمن حارب الله ورسوله : المنافقون ومنهم أبو عامر الراهب : أي أعدوه لهؤلاء وارتقبوا به وصولهم وانتظروهم ليصلوا فيه حتى يباهوا بهم المؤمنين وقوله : { من قبل } متعلق باتخذوا : أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء ويبنوا مسجد الضرار أو متعلق بحارب : أي لمن وقع منه الحرب لله ولرسوله من قبل بناء مسجد الضرار قوله : { وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } أي ما أردنا إلا الخصلة الحسنى وهي الرفق بالمسلمين فرد الله عليهم بقوله : { والله يشهد إنهم لكاذبون } فيما حلفوا عليه