83 - { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم } الرجع متعد كالرد والرجوع لازم والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها وإنما قال { إلى طائفة } لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة وفيهم من المؤمنين من لا عذر له ثم عفا عنهم رسول الله A وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا وسيأتي بيان ذلك وقيل إنما قال : إلى طائفة لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف { فاستأذنوك للخروج } معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه { فقل } لهم { لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا } أي قل لهم ذلك عقوبة لهم ولما في استصحابهم من المفاسد كما تقدم في قوله : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } وقرئ بفتح الياء من معي في الموضعين وقرئ بسكونها فيهما وجملة { إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } للتعليل : أي لن تخرجوا معي ولن تقاتلوا لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أول مرة وهي غزوة تبوك والفاء في { فاقعدوا مع الخالفين } لتفريع ما بعدها على ما قبلها والخالفين جمع خالف كأنهم خلفوا الخارجين والمراد بهم من تخلف عن الخروج وقيل المعنى : فاقعدوا مع الفاسدين من قولهم : فلان خالف أهل بيته إذا كان فاسدا فيهم من قولك خلف اللبن : أي فسد بطول المكث في السقاء ذكر معناه الأصمعي وقرئ { فاقعدوا مع الخالفين } وقال الفراء : معناه المخالفين .
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم [ عن عروة أن عبد الله بن أبي قال : لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله وهو القائل : { ليخرجن الأعز منها الأذل } فأنزل الله : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } فقال النبي A : لأزيدن على السبعين فأنزل الله : { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } ] وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : سمعت عمر يقول : لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله A للصلاة عليه فقام عليه فلما وقف قلت : أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا والقائل كذا وكذا ؟ أعدد أيامه ورسول الله A يتبسم حتى إذا أكثرت قال : يا عمر أخر عني إني قد خيرت قد قيل لي : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها ثم صلى عليه رسول الله A ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله A والله ورسوله أعلم فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } فما صلى رسول الله A على منافق بعد حتى قبضه الله D وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { فرح المخلفون } الآية قال : عن غزوة تبوك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله A أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف فقال رجال : يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر فقال الله : { قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون } فأمره بالخروج وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا } قال : هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا يقول الله : فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم } قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وفيهم قيل ما قيل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فاقعدوا مع الخالفين } قال : هم الرجال الذين تخلفوا عن الغزو