فأجاب الله عليهم بقوله : 33 - { وما كان الله ليعذبهم وأنت } يا محمد { فيهم } موجود فإنك ما دمت فيهم فهم في مهلة من العذاب الذي هو الاستئصال { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } روي أنهم كانوا يقولون في الطواف غفرانك : أي وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرون وقيل المعنى : لو كانوا ممن يؤمن بالله ويستغفره لم يعذبهم وقيل : إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم : أي وما كان الله ليعذبهم وفيهم من يستغفر من المسلمين فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده وقيل المعنى : وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله .
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس في قوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } قال : تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي A وقال بعضهم : بل اقتلوه وقال بعضهم : بل أخرجوه فاطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي A حتى لحق بالغار فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوه عليا رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ فقال : لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس فذكر القصة بأطول مما هنا وفيها ذكر الشيخ النجدي : أي إبليس ومشورته عليهم عند اجتماعهم في دار الندوة للمشاورة في أمر النبي A وأن أبا جهل أشار بأن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش غلاما ويعطوا كل واحد منهم سيفا ثم يضربونه ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فقال الشيخ النجدي : هذا والله هو الرأي فتفرقوا على ذلك وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال : لما ائتمروا بالنبي A ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني قال : من حدثك بهذا ؟ قال : ربي قال : نعم الرب ربك استوص به خيرا قال : أنا أستوصي به ؟ بل هو يستوصي بي وأخرجه ابن جرير من طريق أخرى عنه وهذا لا يصح فقد كان أبو طالب مات قبل وقت الهجرة بسنين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } قال : { ليثبتوك } يعني ليوثقوك وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال : [ قتل النبي A يوم بدرا صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله أسيري فقال رسول الله A : إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول قال : وفيه أنزلت هذه الآية : { وإذا تتلى عليهم آياتنا } ] وهذا مرسل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في النضر بن الحارث وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أنس بن مالك قال : قال أبو جهل بن هشام { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الآية فنزلت : { وما كان الله ليعذبهم } الآية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنها نزلت في أبي جهل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية أنها نزلت في النضر بن الحارث وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ويقولون : غفرانك غفرانك فأنزل الله : { وما كان الله ليعذبهم } الآية قال ابن عباس كان فيهم أمانان : النبي A والاستغفار فذهب النبي A وبقي الاستغفار وأخرج الترمذي وضعفه عن أبي موسى الأشعري قال : قال النبي A : [ أنزل الله علي أمانين لأمتي { وما كان الله ليعذبهم } الآية فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار ] وأخرج .
أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر قال : { وما كان الله ليعذبهم } الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري نحوه أيضا والأحاديث عن رسول الله A في مطلق الاستغفار كثيرة جدا معروفة في كتب الحديث