والإشارة بقوله ذلكم إلى البلاء الحسن وهو في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف : أي الغرض 18 - { ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين } أي إن الغرض منه سبحانه بما وقع مما حكته الآيات السابقة إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وقيل المشار إليه القتل والرمي وقد قرئ بتشديد الهاء وتخفيفها مع التنوين وقرأ الحسن بتخفيف الهاء مع الإضافة والكيد : المكر وقد تقدم بيانه .
وقد أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع أنه سأل ابن عمر قال : إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا ؟ فقال لي : الفئة رسول الله A فقلت : إن الله يقول : { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } قال : إنما نزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله : { ومن يولهم يومئذ دبره } الآية قال : إنها كانت لأهل بدر خاصة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال : لا تغرنكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في أهل بدر خاصة ما كان لهم أن ينهزموا عن رسول الله A ويتركوه وقد روى اختصاص هذه الآية بأهل بدر عن جماعة من التابعين ومن بعدهم وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله : { إلا متحرفا لقتال } يعني مستطردا يريد الكرة على المشركين { أو متحيزا إلى فئة } يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة { فقد باء بغضب من الله } يقول : استوجبوا سخطا من الله { ومأواه جهنم وبئس المصير } فهذا يوم بدر خاصة كان شديدا على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين وهو أول قتال قاتل المشركين من أهل مكة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : المتحرف المتقدم من أصحابه أن يرى عورة من العدو فيصيبها والمتحيز : الفار إلى رسول الله A وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح في قوله : { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : هذه الآية منسوخة بالآية التي في الأنفال { الآن خفف الله عنكم } الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : [ كنا في غزاة فحاص الناس حيصة قلنا : كيف نلقى رسول الله A وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فأتينا رسول الله قبل صلاة الفجر فخرج فقال : من القوم ؟ فقلنا : نحن الفرارون فقال : لا بل أنتم العكارون فقبلنا يده فقال : أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ثم قرأ : { إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة } ] وقد روي في تحريم الفرار من الزحف وأنه من الكبائر أحاديث وورد عن جماعة من الصحابة أنه من الكبائر كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : { فلم تقتلوهم } قال لأصحاب محمد A حين قال : هذا قتلت وهذا قتلت { وما رميت إذ رميت } قال لمحمد A حين حصب الكفار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : { وما رميت إذ رميت } قال : رماهم يوم بدر بالحصباء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن حكيم بن حزام قال : [ لما كان يوم بدر سمعنا صوتا من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله A بتلك الحصباء وقال : شاهت الوجوه فانهزمنا فذلك قوله تعالى : .
{ وما رميت إذ رميت } الآية ] وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن جابر قال : سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله A فرمى بهن في وجوه المشركين فانهزموا فذلك قوله : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه [ عن ابن عباس في قوله : { وما رميت إذ رميت } قال : قال رسول الله لعلي : ناولي قبضة من حصباء فناوله فرمى بها في وجوه القوم فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه عن الحصباء فنزلت هذه الآية : { وما رميت إذ رميت } ] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال : [ لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله A واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه فقال لهم رسول الله A : استأخروا فاستأخروا فأخذ رسول الله A حربته في يده فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعا من أضلاعه فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حين ولوا قافلين فطفقوا يقولون لا بأس فقال أبي حين قالوا له ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه ] قال ابن المسيب : وفي ذلك أنزل الله { وما رميت إذ رميت } وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري نحوه وإسناده صحيح إليهما وقد أخرجه الحاكم في المستدرك قال ابن كثير : وهذا القول عن هذين الإمامين غريب جدا ولعلهما أرادا أن الآية تتناولهما بعمومهما وهكذا قال فيما قاله عبد الرحمن بن جبير كما سيأتي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير : أن رسول الله A يوم ابن أبي الحقيق دعا بقوس فرمى بها الحصن فأقبل السهم حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه فأنزل الله : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير في قوله : { ولكن الله رمى } أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله من نصرك وما ألقى في صدور عدوك حتى هزمهم { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته