43 - ـ فصل : أصول الأشياء .
رأيت كثيرا من الخلق و عالما من العلماء لا ينتهون عن البحث عن أصول الأشياء التي أمروا بعلم جلها من غير بحث عن حقائقها كالروح مثلا فالله تعالى سترها بقوله : { قل الروح من أمر ربي } فلم يقنعوا و أخذوا يبحثون عن ما هيتها و لا يقعون بشيء و لا يثبت لأحد منهم برهان على ما يدعيه و كذلك العقل فإنه موجود بلا شك كما أن الروح موجودة بلا شك كلاهما يعرف بآثاره لا بحقيقة ذاته .
فإن قال قائل : فما سرفي كتم هذه الأشياء ؟ قلت : لأن النفس ما تزال تترقى من حلة إلى حالة فلو اطلعت على هذه الأشياءلترقت إلى خالقها فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه لأنه إذا كان بعض مخلوقاته يعلم جملة فهو أجل و أعلى .
و لو قال قائل : ما الصواعق ؟ و ما البرق ؟ و ما الزلازل ؟ .
قلنا : شيء مزعج و يكفي .
و السر في ستر هذا لكشفت حقائقه خف مقدار تعظيمه .
و من تلمح هذا الفصل علم أنه فصل عزيز فإذا ثبت هذا في المخلوقات فالخالق أجل و أعلى .
فينبغي أن يوقف على إثباته على دليل وجوده ثم يستدل على جواز بعثه رسله ثم تتلقى أوصافه من كتبه و رسله و لا يزاد على ذلك .
و لقد بحث خلق كثير عن صفاته بآرائهم فعاد وبال ذلك عليهم و إذا قلنا : إنه موجود و علمنا من كلامه أنه سميع بصير حي قادر كفانا هذا في صفاته و لا نخوض في شيء آخر .
و كذلك نقول : متكلم القرآن كلامه و لا نتكلف ما فوق ذلك .
و لم يقل السلف : تلاوة و متلو و قراءة و مقروء و لا قالوا : استوى على العرش بذاته و لا قالوا : ينزل بذاته بل أطلقوا ما ورد من غير زيادة .
و هذه كلمات كالمثال فقس عليها جميع الصفات تفز سليما من تعطيل متخلصا من تشبيه