370 - ـ فصل : العبث على الله محال .
قد تكرر معناه في هذا الكتاب إلا أن إعادته على النفوس مهمة لئلا يغفل عن مثله .
ينبغي للمؤمن أن يعلم أن الله سبحانه مالك حكيم لا يعبث و هذا العلم يوجب نفي الإعتراض على القدر .
و قد لهج خلق بالإعتراض قدحا في الحكمة و ذلك كفر .
و أولهم إبليس في قوله : { خلقتني من نار و خلقته من طين } .
و معنى قوله : أن تفضيلك الطين على النار ليس بحكمة .
و قد رأيت من كان فقيها دأبه الإعتراض .
و هذا لأن المعترض ينظر إلى صورة الفعل و لو أن صورة الفعل صدرت من مخلوق مثلنا حسن أن يعترض عليه .
فأما من نقصت الأفهام عن مطالعة حكمته فإعتراض الناقص الجاهل عليه جنون .
فأما إعتراض الخلعاء فدائم لأنهم يريدون جريان الأمور على أغراضهم فمتى إنكسر لأحدهم إعتراض .
و فيهم من يتعدى إلى ذكر الموت فيقول : بنى و نقض .
و كان لنا رفيق قرأ القرآن و القراءات و سمع الحديث الكثير ثم وقع في الذنوب و عاش أكثر من سبعين سنة فلما نزل به الموت ذكر لي انه قال : [ قد ضاقت الدنيا إلا من روحي ] .
و من هذا الجنس سمعت شخصا يقول عند الموت : ربي يظلمني و هذا كثير .
و يكره أن يحكى كلام الخلعاء في جنونهم و إعتراضاتهم الباردة .
و لو فهموا أن الدنيا ميدان مسابقة و مارستان صبر ليبين بذلك أثر الخالق لما إعترضوا .
و الذي طلبوه من السلامة و بلوغ الأغراض أمامهم لو فهموا .
فهم كالزور جاري يتلوث بالطين فإذا فرغ لبس ثياب النظافة .
و لما أريد نقض هذا البدن الذي لا يصلح للبقاء نحيت عنه النفس الشريفة و بني بناء يقبل الدوام .
و بعد هذا فقل للمعترض : { فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ } .
قل له : إن إعترض لم يمنع ذلك جريان القدر و إن سلم جرى القدر فلأن يجري و هو مأجور خير من أن يجري و هو مأزور .
و ما أحسن سكوت وضاح اليمن لما إختبأ في صندوق فقال السلطان : [ أيها الصندوق إن كان فيك ما نظن فقد محونا أثرك ] .
و إن لم يكن فليس بدفن خشب من جناح .
فلو أنه صاح ما إنتفع بشيء و لربما أخرج فقتل أقبح قتلة