352 - ـ فصل : ثقة الإنسان بعلم نفسه آفة كبرى .
المصيبة العظمى رضى الإنسان عن نفسه و اقتناعه بعلمه و هذه محنة قد عمت أكثر الخلق .
فترى اليهودي أو النصراني يرى أنه على الصواب و لا يبحث و لا ينظر في دليل نبوة نبينا صلى الله عليه و سلم .
و إذا سمع ما يلين قلبه مثل القرآن المعجز هرب لئلا يسمع .
و كذلك كل ذي هوى يثبت عليه إما لأنه مذهب أبيه و أهله أو لأنه نظر نظرا أول فرآه صوابا و لم ينظر فيما يناقضه و لم يباحث العلماء ليبينوا له خطأه .
و من هذا حال الخوارج على أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه فإنهم إستحسنوا ما وقع لهم و لم يرجعوا إلى من يعلم .
و لما لقيهم عبد الله بن عباس Bهما فبين لهم خطأهم رجع عن مذهبه منهم ألفان .
و ممن لم يرجع عن هواه ابن ملحم فرأى مذهبه هو الحق فإستحل قتل أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه و رآه دينا حتى أنه لما قطعت أعضاؤه لم يمانع .
فلما طلب لسانه ليقطع إنزعج و قال : كيف أبقى ساعة في الدنيا لا أذكر الله .
و مثل هذا ما له دواء .
و كذلك كان الحجاج يقول : [ و الله ما أرجو الخير إلا بعد الموت ] .
هذا قوله و كم قتل من لا يحل قتله منهم سعيد بن جبير .
و قد أخبرنا عبد الوهاب و ابن ناصر الحافظ قالا : أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال : أخبرنا الحسين بن محمد النصيبي قال : أخبرنا إسماعيل بن سعيد : قال : حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال : حدثنا أبو عيسى الختلي قال : حدثنا أبو يعلى قال : حدثنا الأصمعي قال : حدثنا أبو عاصم عن عباد بن كثير عن قحدم قال : وجد في سجن الحجاج ثلاثة و ثلاثون ألفا ما يجب على واحد منهم قطع و لا قتل و لا صلب .
قلت : و عموم السلاطين يقتلون و يقطعون ظنا منهم جواز ذلك و لو سألوا العلماء يبنوا لهم .
و عموم العوام يبارزون بالذنوب اعتمادا على العفو و ينسون العقاب .
و منهم من يعتمد أني من أهل السنة أو أن لي حسنات قد تنفع و كل هذا لقوة الجهل .
فينبغي للإنسان أن يبالغ في معرفة الدليل و لا يساكن شبهته و لا يثق بعلم نفسه نسأل الله السلامة من جميع الآفات !