347 - ـ فصل : من أعمل عقله سلم .
نظرت في حكمة المطعم و المشرب و الملبس و المنكح فرأيت أن الآدمي لما خلق من أصول تتحلل و هي الماء و التراب و الهواء و بقاؤه إنما يكون بالحارة و الرطوبة [ و الحرارة تحلل الرطوبة دائما ] فلم يكن له بد من شيء يخلف ما بطل .
و لما كان اللحم لا ينوب عنه إلا اللحم أباح الشرع ذبح الحيوان ليتقوى به من هو أشرف منه .
و لما كان بدنه يحتاج إلى كسوة و له قدرة تمييز و قدرة يصنع بها ما يقيه الأذى من القطن و الصوف لم يجعل على جلده ما يقيه خلقه بخلاف الحيوان البهيم فإنه لما لم يكن له قدرة على ما يغطى جلده عوضه بالريش و الشعر و الوبر .
و لما لم يكن بد من فناء الآدمي و الحيوان هيج شهوة الجماع لتخلف النسل .
فمقتضى العقل الذي حرك على طلب هذه المصالح أن يكون التناول للمطعم و المشرب مقدار الحاجة و المصلحة ليقع الالتذاذ بالعافية .
و من البلية طلب الإلتذاذ بالمطعم و إن كان غير صالح و الشره في تناوله و كذلك الكسوة و النكاح .
و من الحزم جمع المال و إدخاره لعارض حاجة من ذلك .
و من التغفيل إنفاق الحاصل فربما عرضت حاجة فلم يقدر عليها فأثر عدمها في البدن أو في العرض بطلبها من الأنذال .
و من أقبح الأمور الإنهماك في النكاح طلبا لصورة اللذة ناسيا ما يجني ذلك من انحلال القوة و يزيد في الحرام بالعقوبة .
فمن مال إلى تدبير العقل سلم في دنياه و آخرته .
و من أعرض عن مشاورته أو عن القبول منه عجل عطبه .
فليفهم مقصود الموضوعات و حكمها بالمراد منها فمن لم يفهم و لم يعمل بمقتضى ما فهم كان كأجهل العوام و إن كان عالما