344 - ـ فصل : في العزلة طيب العيش .
العزلة عن الخلق سبب طيب العيش .
و لا بد من مخالطة بمقدار فدار العدو و استحله فربما كادك فأهلكك .
و أحسن إلى من أساء إليك و إستعن على أمورك بالكتمان و لتكن الناس عندك معارف فأما أصدقاء فلا .
لأن أعز الأشياء وجود صديق ذاك أن الصديق يجب أن يكون في مرتبة ممائل .
فإن صادفته عاميا لم تنتفع به لسوء أخلاقه و قلة علمه و أدبه و إن صادفت مممماثلا أو مقاربا حسدك .
و إذا كان لك يقظة تلمحت من أفعاله و أقواله ما يدل على حسدك { لتعرفنهم في لحن القول } .
و إذا أردت تأكيد ذلك فضع عليه من يضعك عنده فلا يحرج إليه إلا بما في قلبه .
فإن أردت العيش فابعد عن الحسود لأنه يرى نعمتك فربما أصابها بالعين .
فإن إضطررت إلى مخالطته فلا تفش له سرك و لا تشاورهه و لا يغرنك تملقه لك و لا ما يظهره من الدين و التعبد فإن الحسد يغلب الدين .
و قد عرفت أن قابيل أخرجه الحسد إلى القتل .
و إن أخوة يوسف باعوه بثمن .
بخس .
و كان أبو عامر الراهب من المتعبدين العقلاء و عبد الله بن أبي من الرؤساء أخرجهما حسد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النفاق و ترك الصواب .
و لا ينبغي أن تطلب لحاسدك عقوبة أكثر مما هو فيه فإنه في أمر عظيم متصل لا يرضيه إلا زوال نعمتك .
و كلما إمتدت إمتد عذابه فلا عيش له .
و ما طاب عيش أهل الجنة إلا حين نزع الحسد و الغل من صدورهم .
و لولا أنه نزع تحاسدوا و تنغص عيشهم