306 - ـ فصل : العقل منحة من الله .
تأملت على قوم يدعون العقول و يعترضون على حكمة الخالق .
فينبغي أن يقال لهم : هذا الفهم الذي دلكم على رد حكمته أليس هو من منحه ؟ .
أفأعطاكم الكمال و رضي لنفسه بالنقص هذا هو الكفر المحض الذي يزيد في القبح على الجحد .
فأول القوم إبليس فإنه رأى بعقله أن جوهر النار أشرف من جوهر الطين فرد حكمة الخالق .
و مر على هذا خلق كثير من المعترضين مثل ابن الرواندي و البقري و هذا المعري اللعين يقول : كيف يعاب ابن الحجاج بالسخف و الدهر أقبح فعلا منه .
أترى يعني به الزمان ! فإن ممر الأوقات لا يفعل شيئا و إنما هو تعريض بالله جل شأنه و كان يستعجل الموت ظنا منه أنه يستريح .
و كان يوصي بترك النكاح و النسك و لا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء و التعب و مصير الأبدان إلى البلى .
و هذا لو كان كما ظن كان الإيجاد عبثا و الحق منزه عن العبث .
قال تعالى : : { و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما باطلا } .
فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثا أفنكون نحن و نحن مواطن معرفته و مجال تكليفه قد وجدنا عبثا ؟ .
و مثل هذا الجهل إنما يصدر ممن ينظر في قضايا العقول التي يحكم بها على الظواهر مثل أن يرى مبنيا ينقض .
و العقل بمجرده لا يرى ذلك حكمة و لو كشفت له حكمة ذلك لعلم أنه صواب .
كما كشف لموسى مراد الخضر في خرق السفينة و قتل الغلام .
و معلوم أن ذبح الحيوان و تقطيع الرغيف و مضغ الطعام لا يظهر له فائدة على الإطلاق .
فإذا علم أنه غذاء لبدن من هو أشرف بدنا من المذبوح حسن ذلك الفعل .
و اعجب أو ما تقضي العقول بوجوب طاعة الحكيم الذي تعجز عن معرفة حكمة مخلوقاته .
فكيف تعارضه في أفعاله ؟ نعوذ بالله من الخذلان