280 - ـ فصل : اللذات الحسية .
تأملت خصومات الملوك و حرص التجار و نفاق المتوهدين فوجدت جمهور ذلك على لذات الحس .
و إذا تفكر العاقل في ذلك علم أن أمر الحسيات قريب يندفع بأقل شيء و أن الغاية منه لا يمكن نيلها .
و إن بالغ عاد بالأذى على نفسه أضعاف ما ناله من اللذة كمن يأكل كثيرا أو .
ينكح كثيرا .
فالسعيد من إهتم لحفظ دينه و أخذ من ذلك بمقدار الحاجة .
واعجبا هذا الملبوس إذا كان وسطا خدم و إذا كان مرتفعا خدم .
فإن نظر اللابس إليه معجبا به فإن الله لا ينظر إليه حينئذ .
و في الصحيح : بينا رجل يتبختر في بردته خسف به .
و المشروب إن كان حراما فعقابه أضعاف لذته .
و هتكه العرض بين الناس عقاب آخر .
و إن كان مباحا فالشره فيه يؤذي البدن .
و أما المنكوح فمداراة المستحسن يؤذي كل أذى .
و مقاساة المستقبح أشد أذى فعليك بالتوسط .
و تفكر في أحوال السلاطين كم قتلوا ظلما و كم ارتكبوا حراما ؟ و ما نالوا إلا يسيرا من لذات الحس .
فإنقشع غيم العمر عن حسرات الفضائل و حصول العقاب .
فليس في الدنيا أطيب عيشا من منفرد عن العالم بالعلم فهو أنيسه و جليسه قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة لا عن تكلف و لا تضييع دين و ارتدى بالعز عن الذل للدنيا و أهلها و التحف بالقناعة بالسير إذ لم يقدر على الكثير فوجدته يسلم دينه و دنياه .
و إشتغاله بالعلم يدله على الفضائل و يفرحه في البساتين فهو يسلم من الشيطان و السلطان و العوام بالعزلة .
و لكن لا يصلح هذا إلا للعالم فإنه إذا إعتزل الجاهل فاته العلم فتخبط