261 - ـ فصل : إلزم خلوتك .
من أراد إجتماع همه و إصلاح قلبه فليحذر من مخالطة الناس في هذا الزمان فإنه قد كان يقع الإجتماع على ما ينفع ذكره فصار الإجتماع على ما يضر .
و قد جربت على نفسي مرارا أن أحصرها في بيت العزلة فتجتمع هي و يضاف إلى ذلك النظر في سير السلف فأرى العزلة حمية و النظر في سير القوم دواء و استعمال الدواء مع الحمية عن التخليط نافع .
فإذا فسحت لنفسي في مجالسة الناس و لقائهم تشتت القلب المجتمع و وقع الذهول عما كنت أراعيه و انتقش في القلب ما قد رأته العين و في الضمير ما تسمعه الأذن و في النفس ما تطمع في تحصيله من الدنيا و إذا جمهور المخالطين أرباب غفلة و الطبع بمجالستهم يسرق من طباعهم .
فإذا عدت أطلب القلب لم أجده و أروم ذاك الحضور فأفقده فؤادي في غمار ذلك اللقاء للناس أياما حتى يسلو الهوى .
و ما فائدة تعريض البناء للنقض ؟ .
فإن دوام العزلة كالبناء و النظر في سير السلف يرفع فإذا وقعت المخالطة إنتقض ما بني في مدة في لحظة و صعب التلاقي و ضعف القلب .
و من له فهم يعرف أمراض القلب و إعراضه عن صاحبه و خروج طائره من قفصه .
و لا يؤمن على هذا المريض أن يكون مرضه هذا سبب التلف و لا على هذا الطائر المحصور أن يقع في الشبكة .
و سبب مرض القلب أنه كان محميا عن التخليط مغذوا بالعلم و سير السلف فخلط فلم يحتمل مزاجه فوقع المرض .
فالجد الجد فإنما هي أيام و ما نرى من يلقى و لا من يؤخذ منه و لا من تنفع مجالسته إلا أن يكون نادرا ما أعرفه .
( ما في الصحاب أخو وجد نطارحه ... حديث نجد و لا خل نجاريه ) .
فالزم خلوقت و راع ـ ما بقيت النفس ـ و إذا قلقت النفس مشتاقة إلى لقاء الخلق فإعلم أنها بعد كدرة فرضها ليصير لقاؤهم عندها مكروها .
و لو كان عندها شغل بالخالق لما أحبت الزحمة كما أن الذي يخلو بحبيبه لا يؤثر حضور غيره .
و لو أنها عشقت طريق اليمن لم تلتفت إلى الشام