245 - ـ فصل : الإحتراز من جائز الوقوع .
أبله الناس من عمل على الحال الحاضرة و لم يتصور تغيرها و لا وقوع ما يجوز وقوعه .
مثاله أن يغتر بدولة فيعمل بمقتضى ملكه فإذا تغيرت هلك .
و ربما عادى خلقا اغترارا بأنه متسلط أو إنه صاحب سلطان فإذا تغيرت حاله أكل كفه ندما عند فوات التدارك .
و كذلك من له مال يبذره سكونا إلى وجود المال و ينسى حاله عند العدم .
و من يتناول الشهوات و يكثر من المآكل و المشارب و النكاح ثقة بعافيته و ينسى ما يعقب ذلك من الأمراض و الآفات .
و من أظرف الأحوال أن يحب جاريته فيعتقها و يهب لها أو امرأة فيسكن إليها و يهب لها فتتمكن و لا تمضي الأيام حتى يسلوها أو يطلب غيرها و لا يجد طريقا للخلاص .
فإن تخلص منها أخذت منها ما غنمت منه فلقي من الغيظ أضعاف ما يلتذ به .
فلا ينبغي أن يوثق بإمرأة و لا بمحبة إنسان فإنه قد يحب إمرأة و يظن أنه لا يسلوها أبدا فيسترسل إليها و السلو يحدث .
و ربما أحب غيرها فينسى الأولى فيصعب عليه الخلاص من الأولى .
فالعاقل لا يدخل في شيء حتى يهيء الخروج منه فإن الأشياء لا تثبت و المحبة لا تدوم و التغير مقرون بكل حال .
و كذلك يعطي ماله ولده ثم يبقى كلا عليه فيتمنى الولد هلاكه و ربما عل به في النفقة .
و كذلك قد يثق بالصديق فيثبت أسراره إليه فربما أظهر ذلك فكان منها ما يوجب هلاكه .
و كذلك يغتر الإنسان بالسلامة و ينسى طروق الموت فيأتيه بغتة فيبهته و قد فات الإستدراك و لم يبق إلا الندم .
فالعاقل من كانت عينه مراقبة للعواقب محترزة مما يجوز وقوعه عاملة بالإحتياط في كل حال حافظة للمال و السر غير واثقة بزوجة و لا ولد و لا صديق متأهبة للرحيل متهيئة للنقلة هذه صفة أهل الحزم