277 - ـ فصل : ما يجب على العالم .
قد ثبت بالدليل شرف العلم و فضله إلا أن طلاب العلم افترقوا فكل تدعوه نفسه إلى شيء .
فمنهم من أذهب عمره في القراءات و ذلك تفريط في العمر لأنه إنما ينبغي أن يعتمد على المشهور منها لا على الشاذ .
ما أقبح القارىء يسأل عن مسألة في الفقه و هو لا يدري و ليس ما شغله عن ذلك إلا كثرة الطرق في روايات القراءات .
و منهم من يتشاغل بالنحو و علله فحسب و منهم من يتشاغل باللغة فحسب و منهم من يكتب الحديث و يكثر و لا ينظر في فهم ما كتب .
و قد رأينا في مشايخنا المحدثين من كان يسأل عن مسألة في الصلاة فلا يدري ما يقول .
و كذلك القراء و كذلك أهل اللغة و النحو .
و حدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه قال : حدثني ابن المنصوري قال : حضرنا مع أبي محمد بن الخشاب و كان إمام الناس في النحو و اللغة فتذاكروا الفقه فقال : [ سلوني عما شئتم ] فقال له رجل : إن قيل لنا رفع اليدين في الصلاة ما هو فماذا نقول ؟ فقال : [ هو ركن ] ! فدهشت الجماعة من قلة فقهه .
و إنما ينبغي للعاقل أن يأخذ من كل علم طرفا يهتم بالفقه .
ثم ينظر في مقصود العلوم و هو المعاملة لله سبحانه و المعرفة به و الحب له .
و ما أبله من يقطع عمره في معرفة علم النجوم و إنما ينبغي أن يعرف من ذلك اليسير و المنازل لعلم الأوقات فأما النظر فيما يدعى أنه القضاء و الحكم فجهل محض لأنه لا سبيل إلى علم ذلك حقيقة و قد جرب فبان جهل مدعيه .
و قد تقع الإصابة في وقت و على تقدير الإصابة لا فائدة فيه إلا تعجيل الغم .
فإن قال قائل : يمكن دفع ذلك فقد سلم أنه لا حقيقة له .
و أبله من هؤلاء من يتشاغل بعلم الكيميا فإنه هذيان فارغ و إذا كان لا يتصور قلب الذهب نحاسا لم يتصور قلب النحاس ذهبا .
فإنما فاعل هذا مستحل للتدليس على الناس في النقود هذا إذا صح له مراده .
و ينبغي لطالب العلم أن يصحح قصده إذ فقدان الإخلاص يمنع قبول الأعمال .
و ليجتهد في مجالسة العلماء و النظر في الأقوال المختلفة و تحصيل الكتب فلا يخلو كتاب من فائدة .
و ليجعل همته للحفظ و لا ينظر و لا يكتب إلا وقت التعب من الحفظ .
و لحيذر صحبة السلطان و لينظر في منهاج الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة و التابعين و ليجتهد في رياضة نفسه و العمل بعلمه و من تولاه الحق وفقه