189 - ـ فصل : الاستعداد للقاء الموت .
ما أبله من لا يعلم متى يأتيه الموت و هو لا يستعد للقائه .
و أشد الناس بلها و تغفيلا من قد عبر الستين و قارب السبعين ـ فإن ما بينهما هو معترك المنايا و من نازل المعترك استعد و هو مع ذلك غافل عن الاستعداد .
( قال الشباب لعلنا في شيبنا ... ندع الذنوب فما بقول الأشيب ) ؟ .
و الله إن الضحك من الشيخ ماله معنى و إن المزاح منه بارد المعنى .
و إن تعرضه بالدنيا و قد دفعته عنها يضعف القوى و يضعف الرأي .
و هل بقي لابن ستين منزل ؟ .
فإن طمع في السبعين فإنما يرتقي إليها بعناء شديد إن قام دفع الأرض و إن مشى لهث و إن قعد تنفس .
و يرى شهوات الدنيا و لا يقدر على تناولها فإن أكل كد المعدة و صعب الهضم و إن و طىء أذى المرأة و وقع دفنا لا يقدر على رد ما ذهب من القوة إلى مدة طويلة فهو يعيش عيش السير .
فإن طمع في الثمانين فهو يزحف إليها زحف الصغير .
( و عشر الثمانين من خاضها ... فإن الملمات فيها فنون ) .
فالعاقل من فهم مقادير الزمان فإنه فيما قيل قبل البلوغ صبي ليس على عمره عيار .
إلا أن يرزق فطنه ففي بعض الصبيان فطنه تحثهم من الصغر على اكتساب النكارم و العلوم .
فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى و تعلم العلم .
فإذا رزق الأولاد فهو زمان الكسب للمعاملة فإذا بلغ الأربعين انتهى تمامه و قضى مناسك الأجل و لم يبق إلا الانحدار إلى الوطن .
( كأن الفتى يرقى من العمر معلما ... إلى أن يجوز الأربعين و ينحط ) .
فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة و يكون كل تلمحه لما بين يديه و يأخذ في الاستعداد للرحيل و إن كان الخطاب بهذا لابن عشرين إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير .
فإذا بلغ الستين فقد أعذر الله إليه في الأجل و جاز من الزمن فليقل بكليته على جمع زاده و تهيئة آلات السفر .
و ليعتقد أن كل يوم يحيا فيه غنيمة ما هي في الحساب .
خصوصا إذا قوي عليه الضعف و زاد .
و كلما علت سنه فينبغي أن يزيد اجتهاده فإذا دخل في عشر الثمانين فليس إلا الوداع و ما بقي من العمر إلا أسف على تفريط أو تعبد على ضعف .
نسأل الله D يقظة تامة تصرف عنا رقاد الغفلات و عملا صالحا نأمن معه من الندم يوم الانتقام الله الموفق