13 - ـ فصل : غوامض تحير الضال .
تفكرت يوما في التكليف فرأيته ينقسم إلى سهل و صعب فأما السهل فهو أعمال الجوارح إلا أن منه ما هو أصعب من بعض فالوضوء و الصلاة أسهل من الصوم و الصوم ربما كان عند قوم أسهل من الزكاة و أما الصعب فيتفاوت فبعضها أصعب من بعض فمن المستصعب النظر و الإستدلال الموصلان إلى معرفة الخالق فهذا صعب عند من غلبت عليه أمور الحس سهل عند أهل العقل و من المستصعب غلبة الهوى و قهر النفوس و كف أكف الطباع عن التصرف فيما يؤثره .
و كل هذا يسهل على العاقل النظر في ثوابه و رجاء عاقبته و إن شق عاجلا .
و إنما أصعب التكاليف و أعجبها : أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل ثم نراه يفقر المتشاغل بالعلم المقبل على العبادة حتى يعضه الفقر بناجذيه فيذل للجاهل في طلب القوت و يغنى الفاسق مع الجهل حتى تفيض الدنيا عليه .
ثم نراه ينشىء الأجسام ثم ينقض بناءالشباب في مبدأ أمره و عند استكمال بنائه فإذا به قد عاد هشيما ثم نراه يؤلم الأطفال حتى يرحمهم كل طبع ثم يقال له : إياك أن تشك في أنه أرحم الراحمين ثم يسمع بإرسال موسى إلى فرعون و يقال له : اعتقد أن الله تعالى أضل فرعون و اعلم أنه ما كان لآدم بد من أكل الشجرة و قد وبخ بقوله : { و عصى آدم ربه } .
و في مثل هذه الأشياء تحير خلق حتى خرجوا إلى الكفر و التكذيب .
و لو فتشوا على سر هذه الأشياء لعلموا أن تسليم هذه الأمور تكليف العقل ليذعن ! و هذا أصل إذا فهم حصل منه السلامة و التسليم .
نسأل الله D أن يكشف لنا الغوامض التي حيرت من ضل أنه قريب مجيب