111 - ـ فصل : غلبة الهوى .
رأيت كثيرا من الناس يتحرزون من رشاش نجاسة و لا يتحاشون من غيبة و يكثرون من الصدقة و لا يبالون بمعاملات الربا و يتهجدون بالليل و يؤخرون الفريضة عن الوقت في أشياء يطول عددها من حفظ فروع و تضييع أصول فبحثت عن سبب ذلك فوجدته من شيئين : أحدهما العادة و الثاني غلبة الهوى في تحصيل المطلوب فإنه قد يغلب فلا قد يغلب فلا يترك سمعا و لا بصرا .
و من هذا القبيل ان إخوة يوسف قالوا ـ حين سمعوا صوت المنادي ـ : { إنكم لسارقون } { لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض و ما كنا سارقين } فجاء في التفسير أنهم لما ذخلوا مصر كمموا أفواه إبلهم لئلا نتناول ما ليس لهم فكأنهم قالوا : قد رأيتم ما صنعناه بإبلنا فكيف نسرق ؟ و نسوا هم تفاوت ما بين الورع و اختطاف أكلة لا يملوكونها و بين إلقاء يوسف عليه السلام في الجب و بيعه بثمن بخس و في الناس من يطيع في صغار الأمور دون كبارها و فيما كلفته عليه خفيفة أو معتادة و فيما لا ينقص شيئا من عادته في مطعم و ملبس نرى أقواما يأخذون الربا و يقول أحدهم : كيف يراني عدوي بعد بعت داري أو تغير ملبوسي و مركوبي ! .
و نرى أقواما يوسوسون في الطهارة و يستعملون الكثير من الماء و لا يتحاشون من غيبه .
و أقواما يستعملون التأولات الفاسدة في تحصيل أغراضهم مع علمهم أنها لا تجوز حتى أني رأيت رجلا من أهل الخير و التعبد أعطاه رجل مالا ليبني به مسجدا فأخذه لنفسه و أنفق عوض الصحيح قراضة فلما إحتضر قال لذلك الرجل : إجعلني في حل فإني فعلت كذا و كذا .
و نرى أقواما يتركون الذنوب لبعدهم عنها فقد ألفوا الترك و إذا قربوا منها لم يتمالكوا .
و في الناس من هذه الفنون عجائب يطول ذكرها .
و قد علمنا أن خلقا من علماء اليهود كانوا يحملون ثقل التعبد في دينهم فلما جاء الإسلام و عرفوا صحته لم يطيقوا مقاومة أهوائهم في محور رياستهم .
كذلك قيصر فإنه عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بالدليل ثم لم يقدر على مقاومة هواه و ترك ملكه .
فالله الله في تضييع الأصول و من إهمال سرح الهوى فإنه إن أهملت ماشية نفشت في زروع التقى .
ما مثل الهوى إلا كسبع في عنقه سلسلة فإن استوثق منه ضابطه كفه .
و ربما لاحت له شهواته الغالبة عليه فلم تقاومها السلسلة فأفلت على أن من الناس من يكف هواه بسلسلة و منهم من يكفه بخيط فينبغي للعاقل أن يحذر شياطين الهوى و أن يكون بصيرا بما يقوى عليه من أعدائه و بمن يقوى عليه