يسركم ما أدركتم من العلم قالوا نعم قال فبماذا تنالون العلم بالجسد أم بالروح قالوا بحياة الروح وأن البطيء عنه ثقل قال فإذا كان قد استبان لكم أن العلم ثمرة الروح وأن البطيء عنه ثقل الجسد وكنتم بدرك العلم مسرورين وبقوته محزونين لقد اضطركم الرأي إلى إيثار مفارقة الروح الجسد إذ قد بان لكم أن مفارقة الروح الجسد أفضل لكم من ملازمته إياه ألستم ترون شهوات الجسد من النساء والبنين وفضول المطاعم مضرة بالفلسفة التي معناها صب الحكمة وإنكم لم تجعلوا تلك الأمور إلا صيانة للعقل ورغبة في العلم قالوا بلى قال فإذ أقررتم أن هذه اللذات المقوية للأجساد مفسدة للعقول فقد التزمتم أن الأجساد التي هي قابلة لهذه اللذات أفسد قالوا لقد اضطرنا الرأي إلى تحقيق ما مضى من قولك وكيف لنا أن نجترئ من الموت على ما اجترأت عليه ونزهد في الحياة كما زهدت قال إني مجهد نفسي في الصدق فأجهدوا أنفسكم في الفهم إن الفيلسوف قد رضي من الدنيا مالا تراد الدنيا له واحتمل من نصب الفلسفة ما لا يرح منه إلا الموت فما حاجة من لا يتمتع بشيء له من الحياة إلى الحياة وما هرب من لا راحة له إلا في الموت من الموت ولقد جهل من ظن أن له إليها من التنعم والتلذذ سبيلا ومن حرم نفسه لذة إليها واحتمل مؤنة الفلسفة لا ينفي ثوابها بعد الموت ثم ألقى حزينا عند الموت فقد عرض نفسه لأن نضحك منه ومن أحق بأن نضحك منه من ناصب غرس أو باني قصر يوجد محزونا حين تم له منها الذي أمله