@ 212 @ إلا الله ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص ، بالذكر مع دخولهما في قوله : ! 2 < وأصلحوا > 2 ! لأن الاعتصام والإخلاص ، من جملة الإصلاح ، لشدة الحاجة إليهما ، خصوصا في هذا المقام الحرج ، الذي تمكن فيه النفاق من القلوب . فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ، ودوام اللجأ والافتقار إليه ، في دفعه ، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق . فذكرهما لفضلهما ، وتوقف الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما . وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل : وسوف يؤتيهم أجرا عظيما ، مع أن السيئات فيهم . بل قال : ^ ( وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما ) ^ . لأن هذه القاعدة الشريفة لم يزل الله يبدىء فيها ويعيد ، إذا كان السياق في بعض الجزئيات ، وأراد أن يرتب عليه ثوابا أو عقابا وكان ذلك مشتركا بينه وبين الجنس الداخل فيه . رتب الثواب ، في مقابلة الحكم العام ، الذي تندرج تحته ، تلك القضية وغيرها . ولئلا يتوهم اختصاص الحكم ، بالأمر الجزئي ، فهذا من أسرار القرآن البديعة . فالتائب من المنافقين ، مع المؤمنين ، وله ثوابهم . ثم أخبر تعالى ، عن كمال غناه ، وسعة حلمه ، ورحمته وإحسانه فقال : ! 2 < ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم > 2 ! والحال أن الله شاكر عليم . يعطي المتحملين لأجله الأثقال ، الدائبين في الأعمال ؛ جزيل الثواب وواسع الإحسان . ومن ترك شيئا لله ، أعطاه الله خيرا منه . ومع هذا ، يعلم ظاهركم وباطنكم ، وأعمالكم ، وما تصدر عنه من إخلاص وصدق ، وضد ذلك . وهو يريد التوبة والإنابة منكم والرجوع إليه . فإذا أنبتم إليه ، فأي شيء يفعل بعذابكم ؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم ، ولا ينتفع بعقابكم . بل العاصي لا يضر إلا نفسه ، كما أن عمل المطيع لنفسه . والشكر هو : خضوع القلب ، واعترافه بنعمة الله ، وثناء اللسان على المشكور . وعمل الجوارح بطاعته ، وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه . ! 2 < لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا > 2 ! يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي : يبغض ذلك ويمقته ، ويعاقب عليه . ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة ، التي تسوء وتحزن ، كالشتم ، والقذف ، والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله ، من المنهي عنه ، الذي يبغضه الله . ويدل مفهومها ، أنه يحب الحسن من القول ، كالذكر ، والكلام الطيب اللين . وقوله : ! 2 < إلا من ظلم > 2 ! أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ، ويشتكي منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه . ومع ذلك ، فعفوه ، وعدم مقابلته ، أولى كما قال تعالى : ! 2 < فمن عفا وأصلح فأجره على الله > 2 ! . ! 2 < وكان الله سميعا عليما > 2 ! ولما كانت الآية ، قد اشتملت على الكلام السيء ، والحسن ، والمباح ، أخبر تعالى ، أنه سميع ، فيسمع أقوالكم ، فاحذروا أن تتكلموا بما يغضب ربكم فيعاقبكم . وفيه أيضا ترغيب على القول الحسن ! 2 < عليم > 2 ! بنياتكم ومصدر أقوالكم . ثم قال تعالى : ! 2 < إن تبدوا خيرا أو تخفوه > 2 ! وهذا يشمل كل خير ، قولي ، وفعلي ، ظاهر ، وباطن ، من واجب ، ومستحب . ! 2 < أو تعفوا عن سوء > 2 ! أي : عمن أساء إليكم في أبدانكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، فتسمحوا عنه ، فإن الجزاء من جنس العمل . فمن عفا لله ، عفا الله عنه ، ومن أحسن ، أحسن الله إليه ، فلهذا قال : ! 2 < فإن الله كان عفوا قديرا > 2 ! أي : يعفو عن زلات عباده ، وذنوبهم العظيمة . فيسدل عليهم ستره ، ثم يعاملهم بعفوه التام ، الصادر عن قدرته . وفي هذه الآية ، إرشاد إلى التدبر في معاني أسماء الله وصفاته ، وأن الخلق والأمر ، صادر عنها ، وهي مقتضية له ، ولهذا يعلل الأحكام ، بالأسماء الحسنى ، كما في هذه الآية . لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء ، رتب على ذلك ، بأن أحالنا على معرفة أسمائه ، وأن ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص قال : ! 2 < إن الذين يكفرون > 2 ! إلى ! 2 < وكان الله غفورا رحيما > 2 ! . ^ ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أول ئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أول ئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ) ^ هنا قسمان ، قد وضحا لكل أحد : مؤمن بالله ، وبرسله كلهم ، وكتبه ، وكافر بذلك كله . وبقي قسم ثالث : وهو : الذي يزعم أنه يؤمن ببعض الرسل ، دون بعض ، وأن هذا سبيل ينجيه من عذاب الله ، إن هذا إلا مجرد أماني . فإن هؤلاء ، يريدون التفريق بين الله وبين رسله . فإن من تولى الله حقيقة ، تولى جميع رسله ، لأن ذلك من تمام . ومن عادى أحدا من رسله ، فقد عادى الله ، وعادى جميع رسله كما قال تعالى : ! 2 < من كان عدوا لله > 2 ! الآيات . وكذلك من كفر برسول ، فقد كفر بجميع الرسل ، بل بالرسول ، الذي يزعم أنه به مؤمن ، ولهذا قال : ! 2 < أولئك هم الكافرون حقا > 2 ! . وذلك لئلا يتوهم أن مرتبتهم متوسطة ، بين الإيمان والكفر . ووجه كونهم كافرين حتى بمن