@ 209 @ ومحل إرادته ، وأن يزيل عن نفسه ، كل مانع وعائق يعوقه ، عن إرادة القسط ، أو العمل به . وأعظم عائق لذلك ، اتباع الهوى ، ولهذا ، نبه تعالى ، على إزالة هذا المانع بقوله : ! 2 < فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا > 2 ! أي : فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق . فإنكم إن اتبعتموها ، عدلتم عن الصواب ، ولم توفقوا للعدل . فإن الهوى ، إما أن يعمي بصيرة صاحبه ، حتى يرى الحق باطلا ، والباطل حقا . وإما أن يعرف الحق ويتركه ، لأجل هواه . فمن سلم من هوى نفسه ، وفق للحق ، وهدي إلى الصراط المستقيم . ولما بين أن الواجب ، القيام بالقسط ، نهى عن ما يضاد ذلك ، وهو لي اللسان عن الحق ، في الشهادات وغيرها ، وتحريف النطق ، عن الصواب المقصود من كل وجه ، أو من بعض الوجوه . ويدخل في ذلك ، تحريف الشهادة ، وعدم تكميلها ، أو تأويل الشاهد على أمر آخر . فإن هذا ، من اللي ، لأنه الانحراف عن الحق . ! 2 < أو تعرضوا > 2 ! أي : تتركوا القسط المنوط بكم ، كترك الشاهد لشهادته وترك الحاكم لحكمه ، الذي يجب عليه القيام به . ! 2 < فإن الله كان بما تعملون خبيرا > 2 ! أي : محيطا بما فعلتم ، يعلم أعمالكم ، خفيها وجليها . وفي هذا تهديد شديد ، للذي يلوي أو يعرض . ومن باب أولى ، الذي يحكم بالباطل ، أو يشهد بالزور ، لأنه أعظم جرما . لأن الأولين ، تركا الحق ، وقام هو بالباطل . ! 2 < يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا > 2 ! اعلم أن الأمر ، إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه . فهذا يكون أمرا له ، في الدخول فيه . وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان كقوله تعالى : ! 2 < يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم > 2 ! الآية . وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء ، فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد . ومنه ما ذكره الله في هذه الآية ، من أمر المؤمنين بالإيمان . فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم ، من الإخلاص والصدق ، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات . ويقتضي أيضا ، الأمر بما لم يوجد من المؤمن ، من علوم الإيمان وأعماله . فإنه كما وصل إليه نص ، وفهم معناه ، واعتقده ، فإن ذلك من المأمور به . وكذلك سائر الأعمال الظاهرة ، والباطنة ، كلها من الإيمان ، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، وأجمع عليه سلف الأمة . ثم الاستمرار على ذلك ، والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى : ! 2 < يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون > 2 ! . وأمر هنا بالإيمان به ، وبرسله ، وبالقرآن ، وبالكتب المتقدمة . فهذا كله من الإيمان الواجب ، الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به ، إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله ، وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل . فمن آمن هذا الإيمان المأمور به ، فقد اهتدى وأنجح . ! 2 < ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا > 2 ! . وأي ضلال أبعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم ، وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب الأليم ؟ واعلم أن الكفر بشيء من هذه الأمور المذكورة ، كالكفر بجميعها ، لتلازمها ، وامتناع وجود الإيمان ببعضها ، دون بعض . ! 2 < إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا > 2 ! ثم قال : ! 2 < إن الذين آمنوا ثم كفروا > 2 ! الآية . أي : من تكرر منه الكفر بعد الإيمان ، فاهتدى ، ثم ضل وأبصر ، ثم عمي وآمن ، ثم كفر واستمر على كفره ، وازداد منه ، فإنه بعيد من التوفيق والهداية ، لأقوم الطريق ، وبعيد عن المغفرة ، لكونه أتى بأعظم مانع يمنعه من حصولها . فإن كفره ، يكون عقوبة وطبعا ، لا يزول كما قال تعالى : ! 2 < فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم > 2 ! . ! 2 < ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة > 2 ! . ودلت الآية : أنهم ، إن لم يزدادوا كفرا ، بل رجعوا إلى الإيمان ، وتركوا ما هم عليه من الكفران ، فإن الله يغفر لهم ، ولو تكررت منهم الردة . وإذ كان هذا الحكم في الكفر ، فغيره من المعاصي التي دونه من باب أولى أن العبد لو تكررت منه ، ثم عاد إلى التوبة ، عاد الله له بالمغفرة . ! 2 < بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا > 2 ! البشارة ، تستعمل في الخير ، وتستعمل في الشر بقيد ، كما في هذه الآية . يقول تعالى : ! 2 < بشر المنافقين > 2 ! أي : الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ، بأقبح بشارة وأسوئها ، وهو العذاب الأليم . وذلك بسبب محبتهم الكفار ، وموالاتهم ، ونصرتهم ، وتركهم لموالاة المؤمنين . فأي شيء حملهم على ذلك ؟ ! 2 < أيبتغون عندهم العزة > 2 ! وهذا هو الواقع من أحوال