@ 207 @ خير ) ^ . ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى ، أن الصلح بين من بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء ، أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه ، لما فيه من الإصلاح ، وبقاء الألفة ، والاتصاف بصفة السماح . وهو جائز في جميع الأشياء ، إلا إذا أحل حراما ، أو حرم حلالا ، فإنه لا يكون صلحا ، وإنما يكون جورا . واعلم أن كل حكم من الأحكام ، لا يتم ، ولا يكمل ، إلا بوجود مقتضيه ، وانتفاء موانعه . فمن ذلك ، هذا الحكم الكبير ، الذي هو الصلح . فذكر تعالى المقتضي لذلك ، ونبه على أنه خير ، والخير كل عامل يطلبه ، ويرغب فيه . فإن كان مع ذلك قد أمر الله به ، وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ، ورغبة فيه . وذكر المانع بقوله : ^ ( وأحضرت الأنفس الشح ) ^ أي : جبلت النفوس على الشح ، وهو : عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان ، والحرص على الحق الذي له . فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا . أي ينبغي لكم ، أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء ، من نفوسكم ، وتستبدلوا به ضده وهو : السماحة ، وهو بذل الحق الذي عليك ، والاقتناع ببعض الحق الذي لك . فمتى وفق الإنسان لهذا الخلق الحسن ، سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله ، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب . بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه ، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة ، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله ، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه . فإن كان خصمه مثله ، اشتد الأمر . ثم قال : ^ ( وإن تحسنوا وتتقوا ) ^ أي : تحسنوا في عبادة الخالق ، بأن يعبد العبد ربه ، كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه ، فإنه يراه . وتحسنوا إلى المخلوقين ، بجميع طرق الإحسان ، من نفع بمال ، أو علم ، أو جاه ، أو غير ذلك . ^ ( وتتقوا ) ^ الله ، بفعل جميع المأمورات ، وترك جميع المحظورات . أو تحسنوا بفعل المأمور ، وتتقوا بترك المحظور . ^ ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) ^ قد أحاط به ، علما وخبرا ، بظاهره وباطنه ، فيحفظه لكم ، ويجازيكم عليه ، أتم الجزاء . ^ ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النسآء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) ^ يخبر تعالى : أن الأزواج لا يستطيعون ، وليس في قدرتهم العدل التام بين النساء . وذلك ، لأن العدل : يستلزم وجود المحبة على السواء ، والداعي على السواء ، والميل في القلب إليهن على السواء ، ثم العمل بمقتضى ذلك . وهذا متعذر غير ممكن ، فلذلك عفا الله ، عما لا يستطاع ونهى عما هو ممكن بقوله : ^ ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ) ^ أي : لا تميلوا ميلا كثيرا ، بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة . بل افعلوا ما هو باستطاعتكم في العدل . فالنفقة والكسوة ، والقسم ونحوها ، عليكم أن تعدلوا بينهن فيها . بخلاف الحب ، والوطء ونحو ذلك ، فإن الزوجة ، إذا ترك زوجها ، ما يجب لها ، صارت كالمعلقة ، التي لا زوج لها فتستريح وتستعد للتزوج ، ولا ذات زوج ، يقوم بحقوقها . ^ ( وإن تصلحوا ) ^ ما بينكم وبين زوجاتكم . وبإجبار أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس ، احتسابا وقياما بحق الزوجة . وتصلحوا أيضا ، فيما بينكم وبين الناس . وتصلحوا أيضا بين الناس ، فيما تنازعوا فيه . وهذا يستلزم الحث على كل طريق يوصل إلى الصلح مطلقا كما تقدم . ^ ( وتتقوا ) ^ الله بفعل المأمور وترك المحظور ، والصبر على المقدور . ^ ( فإن الله كان غفورا رحيما ) ^ يغفر ما صدر منكم ، من الذنوب ، والتقصير في الحق الواجب ، ويرحمكم كما عطفتم على أزواجكم ورحمتموهن . ^ ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ) ^ هذه الحالة الثالثة بين الزوجين ، إذا تعذر الاتفاق ، فإنه لا بأس بالفراق . فقال : ^ ( وإن يتفرقا ) ^ أي : بطلاق ، أو فسخ ، أو خلع ، أو غير ذلك . ^ ( يغن الله كلا ) ^ من الزوجين ^ ( من سعته ) ^ أي : من فضله ، وإحسانه الواسع الشامل . فيغني الزوج بزوجة ، خير له منها ، ويغنيها من فضله . وإن انقطع نصيبها من زوجها ، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق ، القائم بمصالحهم ، ولعل الله يرزقها ، زوجا خيرا منه . ^ ( وكان الله واسعا ) ^ أي : كثير الفضل ، واسع الرحمة . وصلت رحمته وإحسانه ، إلى حيث وصل إليه علمه . وكان مع ذلك ^ ( حكيما ) ^ أي : يعطي بحكمته ، ويمنع لحكمته . فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده ، من إحسانه ، بسبب في العبد ، لا يستحق معه الإحسان حرمه ، عدلا وحكمة . ^ ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا * ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ) ^ يخبر تعالى ، عن عموم ملكه العظيم الواسع ، المستلزم تدبيره ، بجميع أنواع التدبير ، وتصرفه بأنواع التصريف ، قدرا ، وشرعا . فتصرفه الشرعي ، أن وصى الأولين والآخرين ، أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي ، وتشريع الأحكام ، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية ، بالثواب ، والمعاقبة لمن أهملها وضيعها ، بأليم العذاب . ولهذا قال : ^ ( وإن تكفروا ) ^ بأن تتركوا تقوى الله ، وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ، فإنكم لا تضرون بذلك ، إلا أنفسكم ، ولا تضرون الله شيئا ، ولا تنقصون ملكه . وله عبيد خير منكم ، وأعظم ، وأكثر ، مطيعون له ، خاضعون لأمره . ولهذا رتب على ذلك قوله : ^ ( وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ) ^ له الجود الكامل والإحسان