@ 182 @ فقد افترى إثما عظيما ) ^ أي : افترى جرما كبيرا . وأي ظلم أعظم ممن سوى المخلوق من تراب ، الناقص من جميع الوجوه ، الفقير بذاته من كل وجه . الذي لا يملك لنفسه فضلا عمن عبده نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا بالخالق لكل شيء الكامل من جميع الوجوه ، الغني بذاته ، عن جميع مخلوقاته ، الذي بيده النفع والضر ، والعطاء والمنع ، الذي ما من نعمة بالمخلوقين ، إلا منه تعالى . فهل أعظم من هذا الظلم شيء ؟ ولهذا حتم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب ^ ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) ^ . وهذه الآية الكريمة في حق غير التائب . وأما التائب ، فإنه يغفر له الشرك فما دونه ، كما قال تعالى : ^ ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) ^ أي : لمن تاب إليه ، وأناب . ^ ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشآء ولا يظلمون فتيلا * انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا ) ^ هذا تعجب من الله لعباده ، وتوبيخ للذين يزكون أنفسهم ، من اليهود والنصارى ، ومن نحا نحوهم ، من كل من زكى نفسه ، بأمر ليس فيه . وذلك أن اليهود والنصارى يقولون : ^ ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) ! 2 < ويقولون > 2 ! ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ^ وهذا مجرد دعوى ، لا برهان عليها . وإنما البرهان ، ما أخبر به في القرآن في قوله : ^ ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ^ . فهؤلاء هم الذين زكاهم الله ، ولهذا قال هنا : ^ ( بل الله يزكي من يشاء ) ^ أي : بالإيمان والعمل الصالح ، بالتخلي عن الأخلاق الرذيلة ، والتحلي بالصفات الجميلة . وأما هؤلاء ، فهم وإن زكوا أنفسهم بزعمهم ، أنهم على شيء ، وأن الثواب لهم وحدهم فإنهم كذبة في ذلك ، ليس لهم من خصال الزاكين نصيب ، بسبب ظلمهم وكفرهم ، لا بظلم من الله لهم ، ولهذا قال : ^ ( ولا يظلمون فتيلا ) ^ . وهذا لتحقيق العموم ، أي : لا يظلمون شيئا ، ولا مقدار الفتيل الذي في شق النواة ، أو الذي يفتل من وسخ اليد وغيرها . قال تعالى : ^ ( انظر كيف يفترون على الله الكذب ) ^ أي : بتزكيتهم أنفسهم ، لأن هذا من أعظم الافتراء على الله . لأن مضمون تزكيتهم لأنفسهم ، الإخبار بأن الله جعل ما هم عليه حقا ، وما عليه المؤمنون المسلمون باطلا . وهذا أعظم الكذب ، وقلب الحقائق ، بجعل الحق باطلا ، والباطل حقا . ولهذا قال : ^ ( وكفى به إثما مبينا ) ^ أي : ظاهرا بينا ، موجبا للعقوبة البليغة ، والعذاب الأليم . ^ ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أول ئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا * أم يحسدون الناس على مآ آتاهم الله من فضله فقد آتينآ آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا * إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما * والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا لهم فيهآ أزواج مطهرة وندخلهم ظ لا ظليلا ) ^ وهذا من قبائح اليهود ، وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، أن أخلاقهم الرذيلة ، وطبعهم الخبيث ، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت ، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله ، أو حكم بغير شرع الله . فدخل في ذلك ، السحر والكهانة ، وعبادة غير الله ، وطاعة الشيطان ، كل هذا من الجبت والطاغوت . وكذلك حملهم الكفر والحسد ، على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله ، عبدة الأصنام ، على طريق المؤمنين فقال : ^ ( ويقولون للذين كفروا ) ^ أي : لأجلهم ، تملقا لهم ومداهنة ، وبغضا للإيمان : ^ ( هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) ^ أي : طريقا . فما أسمجهم ، وأشد عنادهم ، وأقل عقولهم وكيف سلكوا هذا المسلك الوخيم ، والوادي الذميم ؟ هل ظنوا أن هذا ، يروج على أحد من العقلاء ، أو يدخل عقل أحد من الجهلاء . فهل يفضل دين ، قام على عبادة الأصنام والأوثان ، واستقام على تحريم الطيبات ، وإباحة الخبائث ، وإحلال كثير من المحرمات ، وإقامة الظلم بين الخلق ، وتسوية الخالق بالمخلوقين ، والكفر بالله ، ورسله ، وكتبه ، على دين قام على عبادة الرحمن ، والإخلاص لله ، في السر والإعلان والكفر بما يعبد من دونه ، من الأوثان ، والأنداد ، والكاذبين ، وعلى صلة الأرحام ، والإحسان ، إلى جميع الخلق ، حتى البهائم ، وإقامة العدل والقسط بين الناس ، وتحريم كل خبيث وظلم ، ومصدق في جميع الأقوال والأعمال فهل هذا إلا من الهذيان . وصاحب هذا القول ، إما من أجهل الناس ، وأضعفهم عقلا ، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ، ومراغمة للحق .