@ 178 @ ومن يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا ) ^ يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له ، وهو الدخول تحت رق عبوديته ، والانقياد لأوامره ونواهيه ، محبة ، وذلا ، وإخلاصا له ، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة . وينهى عن الشرك به شيئا ، لا شركا أصغر ، ولا أكبر ، لا ملكا ، ولا نبيا ، ولا وليا ولا غيرهم من المخلوقين ، الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا . بل الواجب المتعين ، إخلاص العبادة ، لمن له الكمال المطلق ، من جميع الوجوه ، وله التدبير الكامل ، الذي لا يشركه ، ولا يعينه عليه أحد . ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه ، أمر بالقيام بحقوق العباد ، الأقرب ، فالأقرب . فقال : ^ ( وبالوالدين إحسانا ) ^ أي : أحسنوا إليهم بالقول الكريم ، والخطاب اللطيف ، والفعل الجميل ، بطاعة أمرهما ، واجتناب نهيهما ، والإنفاق عليهما ، وإكرام من له تعلق بهما ، وصلة الرحم ، التي لا رحم لك إلا بهما . وللإحسان ضدان ، الإساءة ، وعدم الإحسان . وكلاهما منهي عنه . ^ ( وبذي القربى ) ^ أيضا إحسانا ، ويشمل ذلك جميع الأقارب ، قربوا ، أو بعدوا ، بأن يحسن إليهم ، بالقول ، والفعل ، وأن لا يقطع رحمه ، بقوله أو فعله . ^ ( واليتامى ) ^ أي : الذين فقدوا آباءهم وهم صغار ، فلهم حق على المسلمين ، سواء كانوا أقارب أو غيرهم ، بكفالتهم ، وبرهم ، وجبر خواطرهم ، وتأديبهم ، وتربيتهم أحسن تربية ، في مصالح دينهم ودنياهم . ^ ( والمساكين ) ^ وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر ، فلم يحصلوا على كفايتهم ، ولا كفاية من يمونون . فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم ، بسد خلتهم ، وبدفع فاقتهم ، والحض على ذلك ، والقيام بما يمكن منه . ^ ( والجار ذي القربى ) ^ أي : الجار القريب ، الذي له حقان ، حق الجوار ، وحق القرابة ، فله على جاره حق ، وإحسان ، راجع إلى العرف . وكذلك ^ ( الجار الجنب ) ^ أي : الذي ليس له قرابة . وكلما كان الجار أقرب بابا ، كان آكد حقا . فينبغي للجار ، أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة ، والدعوة ، واللطافة بالأقوال والأفعال ، وعدم أذيته ، بقول أو فعل . ^ ( والصاحب بالجنب ) ^ قيل : الرفيق في السفر ، وقيل : الزوجة ، وقيل الصاحب مطلقا ، ولعله أولى ، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ، ويشمل الزوجة . فعلى الصاحب لصاحبه ، حق زائد على مجرد إسلامه ، من مساعدته على أمور دينه ودنياه ، والنصح له ؛ والوفاء معه ، في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، وأن يحب له ، ما يحب لنفسه ، ويكره له ، ما يكره لنفسه ، وكلما زادت الصحبة ، تأكد الحق ، وزاد . ^ ( وابن السبيل ) ^ هو : الغريب الذي احتاج في بلد الغربة ، أو لم يحتج ، فله حق على المسلمين ، لشدة حاجته ، وكونه في غير وطنه ، بتبليغه إلى مقصوده ، أو بعض مقصوده ، وبإكرامه ، وتأنيسه . ^ ( وما ملكت أيمانكم ) ^ أي : من الآدميين والبهائم ، بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ، ما يشق عليهم وإعانتهم على ما تحملوه ، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم . فمن قام بهذه المأمورات ، فهو الخاضع لربه ، المتواضع لعباد الله ، المنقاد لأمر الله وشرعه ، الذي يستحق الثواب الجزيل ، والثناء الجميل . ومن لم يقم بذلك ، فإنه عبد معرض عن ربه ، غير منقاد لأوامره ، ولا متواضع للخلق . بل هو متكبر على عباد الله ، معجب بنفسه ، فخور بقوله ، ولهذا قال : ^ ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) ^ أي : معجبا بنفسه ، متكبرا على الخلق . ^ ( فخورا ) ^ يثني على نفسه ويمدحها ، على وجه الفخر والبطر ، على عباد الله . فهؤلاء ، ما بهم من الاختيال والفخر ، يمنعهم من القيام بالحقوق . ولهذا ذمهم بقوله : ^ ( الذين يبخلون ) ^ أي : يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة . ^ ( ويأمرون الناس بالبخل ) ^ بأقوالهم وأفعالهم . ^ ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) ^ أي : من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون ، فيكتمونه عنهم ، ويظهرون لهم من الباطل ، ما يحول بينهم وبين الحق . فجمعوا بين البخل بالمال ، والبخل بالعلم ، وبين السعي في خسارة أنفسهم ، وخسارة غيرهم ، وهذه هي صفات الكافرين ، فلهذا قال تعالى : ^ ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) ^ أي : كما تكبروا على عباد الله ، ومنعوا حقوقه ، وتسببوا في منع غيرهم ، من البخل ، وعدم الاهتداء ، أهانهم بالعذاب الأليم ، والخزي الدائم . فعياذا بك اللهم من كل سوء . ثم أخبر عن النفقة الصادرة ، عن رياء وسمعة ، وعدم إيمان به ، فقال : ^ ( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ) ^ أي : ليروهم ، ويمدحوهم ، ويعظموهم . ^ ( ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ^ أي : ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ، ورجاء ثوابه . أي : فهذا من خطوات الشيطان وأعماله ، التي يدعو حزبه إليها ، ليكونوا من أصحاب السعير . وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها ، فلهذا قال : ^ ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ) ^ أي : بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه ، ويسعى فيه أشد السعي . فكما أن من بخل بما أتاه الله ،