@ 176 @ عموم المؤمنين ، فيه دلالة على أن المؤمنين ، في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم ، ومصالحهم ، كالجسد الواحد ، حيث كان الإيمان يجمعهم ، على مصالحهم الدينية والدنيوية . ولما نهى عن أكل الأموال بالباطل ، التي فيها غاية الضرر عليهم ، على الأكل ، ومن أخذ ماله أباح لهم ، ما فيه مصلحتهم من أنواع المكاسب والتجارات ، وأنواع الحرف والإجارات فقال : ! 2 < إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم > 2 ! أي : فإنها مباحة لكم . وشرط التراضي مع كونها تجارة لدلالة أنه يشترط أن يكون العقد غير عقد ربا ، لأن الربا ليس من التجارة ، بل مخالف لمقصودها ، وأنه لا بد أن يرضى كل من المتعاقدين ، ويأتي به اختيارا . ومن تمام الرضا ، أن يكون المعقود عليه ، معلوما ، لأنه إذا لم يكن كذلك ، لا يتصور الرضا مقدورا على تسليمه ، لأن غير المقدور عليه ، شبيه ببيع القمار . فبيع الغرر بجميع أنواعه ، خال من الرضا ، فلا ينفذ عقده . وفيها أنه تنعقد العقود ، بما دل عليها ، من قول أو فعل ، لأن الله شرط الرضا ، فبأي طريق حصل الرضا ، انعقد به العقد . ثم ختم الآية بقوله : ! 2 < إن الله كان بكم رحيما > 2 ! ومن رحمته ، أن عصم دماءكم وأموالكم ، وصانها ، ونهاكم عن انتهاكها . ثم قال : ! 2 < ومن يفعل ذلك > 2 ! أي : أكل الأموال بالباطل ، وقتل النفوس ! 2 < عدوانا وظلما > 2 ! أي : لا جهلا ونسيانا ! 2 < فسوف نصليه نارا > 2 ! أي : عظيمة كما يفيده التنكير ! 2 < وكان ذلك على الله يسيرا > 2 ! . ! 2 < إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما > 2 ! وعدهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر المنهيات ، غفر لهم جميع الذنوب والسيئات ، وأدخلهم مدخلا كريما ، كثير الخير ، وهو الجنة ، المشتملة على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ويدخل في اجتناب الكبائر ، فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة ، كالصلوات الخمس ، والجمعة وصوم رمضان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ، ما اجتنبت الكبائر ) . وأحسن ما حدت به الكبائر ، أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا ، أو وعيد في الآخرة ، أو نفي إيمان ، أو ترتيب لعنة ، أو غضب عليه . ^ ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنسآء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ) ^ ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ، ما فضل الله به غيره ، من الأمور الممكنة ، وغير الممكنة . فلا تتمنى النساء خصائص الرجال ، التي بها فضلهم على النساء ، ولا صاحب الفقر والنقص ، حالة الغنى والكمال ، تمنيا مجردا ، لأن هذا هو الحسد بعينه ، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ، ويسلب إياها . ولأنه يقتضي السخط على قدر الله ، والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة ، التي لا يقترن بها عمل ، ولا كسب . وإنما المحمود أمران ، أن يسعى العبد على حسب قدرته ، بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية . ويسأل الله تعالى من فضله . فلا يتكل على نفسه ، ولا على غير ربه . ولهذا قال تعالى : ! 2 < للرجال نصيب مما اكتسبوا > 2 ! أي : من أعمالهم المنتجة للمطلوب . ! 2 < وللنساء نصيب مما اكتسبن > 2 ! فكل منهم لا يناله ، غير ما كسبه ، وتعب فيه . ! 2 < واسألوا الله من فضله > 2 ! أي : من جميع مصالحكم في الدين والدنيا . فهذا كمال العبد ، وعنوان سعادته ، لا من يترك العمل ، أو يتكل على نفسه ، غير مفتقر لربه ، أو يجمع بين الأمرين ، فإن هذا مخذول خاسر . وقوله : ^ ( إن الله كان بكل شيء عليما ) ^ فيعطى من يعلمه أهلا لذلك ، ويمنع من يعلمه غير مستحق . ^ ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا ) ^ أي : ! 2 < ولكل > 2 ! من الناس ! 2 < جعلنا موالي > 2 ! أي : يتولونه ويتولاهم ، بالتعزز والنصرة ، والمعاونة على الأمور . ! 2 < مما ترك الوالدان والأقربون > 2 ! وهذا يشمل سائر الأقارب ، من الأصول والفروع والحواشي . هؤلاء الموالي من القرابة . ثم ذكر نوعا آخر من الموالي فقال : ! 2 < والذين عقدت أيمانكم > 2 ! أي : حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المحالفة على النصرة والمساعدة ، والاشتراك بالأموال ، وغير ذلك . وكل هذا من نعم الله على عباده ، حيث كان الموالي يتعاونون بما لا يقدر عليه بعضهم مفردا . قال تعالى : ! 2 < فآتوهم نصيبهم > 2 ! أي : آتوا الموالي نصيبهم ، الذي يجب القيام به ، من النصرة والمعاونة ، والمساعدة ، على غير معصية الله . والميراث للأقارب الأدنين من الموالي . ^ ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ) ^ أي : مطلعا على كل شيء ، بعلمه لجميع الأمور ، وبصره لحركات عباده ، وسمعه لجميع أصواتهم .