@ 208 @ والشهيق من قولهم جبل شاهق أي عال . .
فهما على هذا المعنى واحد أو متقارب والظاهر ما قال أبو العالية فإن الزفرة هي التي يعظم معها الصدر والجوف والشهقة هي الوقعة الأخيرة من الصوت المندفع معها النفس أحيانا فقد يشهق المحتضر ويشهق المغشي عليه . .
وأما قوله ^ ما دامت السماوات والأرض ^ فقيل معناه إن الله تعالى يبدل السماوات والأرض يوم القيامة ويجعل الأرض مكانا لجهنم والسماء مكانا للجنة ويتأبد ذلك فقرنت الآية خلود هؤلاء ببقاء هذه ويروى عن ابن عباس أنه قال إن الله خلق السماوات والأرض من نور العرش ثم يردهما إلى هنالك في الآخرة فلهما ثم بقاء دائم وقيل معنى قوله ^ ما دامت السماوات والأرض ^ العبارة عن التأبيد بما تعهده العرب وذلك أن من فصيح كلامها إذا أرادت أن تخبر عن تأبيد شيء أن تقول لا أفعل كذا وكذا مدى الدهر وما ناح الحمام و ^ ما دامت السماوات والأرض ^ ونحو هذا مما يريدون به طولا من غير نهاية فأفهمهم الله تعالى تخليد الكفرة بذلك وإن كان قد أخبر بزوال السماوات والأرض . .
وأما قوله ^ إلا ما شاء ربك ^ فقيل فيه إن ذلك على طريق الإستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام فهو على نحو قوله ! 2 < لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين > 2 ! استثناء في واجب وهذا الاستثناء في حكم الشرط كأنه قال إن شاء الله فليس يحتاج إلى أن يوصف بمتصل ولا بمنقطع ويؤيد هذا قوله ^ عطاء غير مجذوذ ^ وقيل هو استثناء من طول المدة وذلك على ما روي من أن جهنم تخرب ويعدم أهلها وتغلق أبوابها فهم على هذا يخلدون حتى يصير أمرهم إلى هذا . .
قال القاضي أبو محمد وهذا قول مختل والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين وهو الذي يسمى جهنم وسمي الكل به تجوزا . .
وقيل إنما استثنى ما يلطف الله تعالى به للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار فيجيء قوله ^ إلا ما شاء ربك ^ أي لقوم ما وهذا قول قتادة والضحاك وابي سنان وغيرهم وعلى هذا فيكون قوله ^ فأما الذين شقوا ^ عاما في الكفرة والعصاة كما قدمنا ويكون الإستثناء من ! 2 < خالدين > 2 ! وقيل ! 2 < الآ > 2 ! بمعنى الواو فمعنى الآية وما شاء الله زائدا على ذلك ونحو هذا قول الشاعر .
( وكل أخ مفارقه أخوه % لعمر أبيك إلا الفرقدان ) + الوافر + .
قال القاضي أبو محمد وهذا البيت يصح الاستشهاد به على معتقدنا في فناء الفرقدين وغيرهما من العالم وأما إن كان قائله من دهرية العرب فلا حجة فيه إذ يرى ذلك مؤبدا فأجرى إلا على بابها . .
وقيل ! 2 < الآ > 2 ! في هذه الآية بمعنى سوى والإستثناء منقطع كما تقول لي عندك ألفا درهم إلا الألف التي كنت أسلفتك بمعنى سوى تلك فكأنه قال ^ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ^ سوى ما شاء الله زائدا على ذلك ويؤيد هذا التأويل قوله بعد ^ عطاء غير مجذوذ ^ وهذا قول الفراء فإنه يقدر الاستثناء المنقطع بسوى وسيبويه يقدره بلكن وقيل سوى ما أعده لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير ونحوه وقيل استثناء من مدة السماوات المدة التي فرطت لهم في الحياة الدنيا .