@ 328 @ أنه عقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى { عَمَّا يُشْرِكُونَ } فدل بذلك على تقريعه المشركين به ووعيده لهم اه . قوله تعالى : { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } . أظهر الأقوال في معنى الروح في هذه الآية الكريمة : أن المراد بها الوحي . لأن الوحي به حياة الأرواح ، كما أن الغذاء به حياة الأجسام . ويدل لهذا قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ } ، وقوله : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } . .
ومما يدل على أن المراد بالروح الوحي إتيانه بعد قوله : { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْرُّوحِ } بقوله : { أَنْ أَنْذِرُواْ } لأن الإنذار إنما يكون بالوحي ، بدليل قوله : { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْىِ } ، وكذلك إتيانه بعد قوله : { يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } بقوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } . لأن الإنذار إنما يكون بالوحي أيضاً . وقرأ هذا الحرف ابن كثير وأبو عمرو ( ينزل ) بضم الياء وإسكان النون وتخفيف الزاي . والباقون بالضم والتشديد . ولفظه ( من ) في الآية تبعيضية ، أو لبيان الجنس . .
وقوله : { عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي ينزل الوحي على من اختاره وعلمه أهلاً لذلك . كما بينه تعالى بقوله : { اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ } ، وقوله : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } ، وقوله : { يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } ، وقوله : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } . .
وهذه الآيات وأمثالها رد على الكفار في قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَاذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } . قوله تعالى : { أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَ أَنَاْ فَاتَّقُونِ } . الأظهر في ( أن ) من قوله : { أَنْ أَنْذِرُواْ } أنها هي المفسرة . لأن إنزال الملائكة بالروح أي بالوحي فيه معنى القول دون حروفه . فيكون المعنى : أن الوحي الذي أنزلت به الملائكة مفسر بإنذار الناس