@ 317 @ .
ويفهم من دليل خطاب الآية الكريمة أعني مفهوم مخالفتها أن غير المؤمنين لا يخفض لهم الجناح ، بل يعاملون بالشدة والغلظة . .
وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر . كقوله تعالى : { ياأَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وقوله : { أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } وقوله : { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } كما قدمناه في المائدة . قوله تعالى : { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ } . في المراد بالمقتسمين أقوال للعلماء معروفة ، وكل واحد منها يشهد له قرآن . إلا أن في الآية الكريمة قرينة تضعف بعض تلك الأقوال : .
الأول أن المراد بالمقتسمين : الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم ، وعلى هذا القول فالاقتسام افتعال من القسم بمعنى اليمين ، وهو بمعنى التقاسم . .
ومن الآيات التي ترشد لهذا الوجه قوله تعالى عن قوم صالح : { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } . أي نقتلهم ليلاً ، وقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ } ، وقوله : { أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } ، وقوله : { أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ } إلى غير ذلك من الآيات . فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه . فسموا مقتسمين . .
القول الثاني أن المراد بالمقتسمين : اليهود والنصارى . وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها . .
ويدل لهذا القول قوله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ، وقوله : { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } . .
القول الثالث أن المراد بالمقتسمين : جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة ، فقال بعضهم : هو شعر . وقال بعضهم : هو سحر . وقال بعضهم : كهانة . وقال بعضهم : أساطير الأولين . وقال بعضهم : اختلفه محمد ، صلى الله عليه وسلم . .
وهذا القول تدل له الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة