@ 216 @ قرينة أقوى منها ، فإن عارضتها قرينة أقوى منها أبطلتها ، وذلك في قوله تعالى : { وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } . لأن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب ، جعلوا على قميصه دم سخلة . ليكون وجود الدم على قميصه قرينة على صدقهم في دعواهم أنه أكله الذئب . .
ولا شك أن الدم قرينة على افتراس الذئب له ، ولكن يعقوب أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوى منها ، وهي عدم شق القميص ، فقال : سبحان الله متى كان الذئب حليماً كيساً يقتل يوسف ولا يشق قميصه . ولذا صرح بتكذيبه لهم في قوله : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } . .
وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن . .
ومن أمثلة الحكم بالقرينة : الرجل يتزوج المرأة من غير أن يراها سابقاً . فتزفها إليه ولائد لا يثبت بشهادتهن أن هذه هي فلانة التي وقع عليها العقد . فيجوز له جماعها من غير احتياج إلى بينة تشهد على عينها أنها هي التي وقع العقد عليها . اعتماداً على قرينة النكاح . .
وكالرجل ينزل ضيفاً عند قوم ، فتأتيه الوليدة أو الغلام بالطعام . فيجوز له الأكل من غير احتياج إلى ما يثبت إذن مالك الطعام له في الأكل ، اعتماداً على القرينة . .
وكقول مالك ، ومن وافقه : إن من شم في فيه ريح الخمر يحد حد الشارب ، اعتماداً على القرينة ، لأن وجود ريحها في فيه قرينة على أنه شربها ، وكمسائل اللوث وغير ذلك . .
وقد قدمنا في سورة المائدة صحة الاحتجاج بمثل هذه القرائن ، وأوضحنا بالأدلة القرآنية . أن التحقيق أن شرع من قبلنا الثابت بشرعنا شرع لنا ، إلا بدليل على النسخ غاية الإيضاح والعلم عند الله تعالى . .
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى : { وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } . .
استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه ، كالقسامة وغيرها . .
وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص . .
وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت ، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ، وهي قوة التهمة ، ولا خلاف في الحكم بها ، قاله ابن العربي . اه كلام القرطبي .